الثلاثاء، 28 مارس 2017

ماهية المحاولة

تعـريـف:
إذا كان القانون الجنائي لا يعاقب على الأفكار والنوايا ولا يعاقب كقاعدة عامة على مرحلة التحضير لارتكاب الجريمة، فإنه يتدخل بالعقاب إذا بدأ الجاني في تنفيذ الركن المادي للجريمة. فإذا نجح في تنفيذ جريمته كنا أمام جريمة تامة. وأما إن تخلفت النتيجة كنا أمام جريمة ناقصة. أو كما يسميها المشرع المغربي ” بالمحاولة ” وقد نص عليها في الفصل 114 ق.ج بقوله : ” كل محاولة ارتكاب جناية بدت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال لا لبس فيها تهدف مباشرة إلا ارتكابها، إذا لم يوقف تنفيذها، أو لم يحصل الأثر المتوخى منها إلا لظروف خارجة عن إرادة مرتكبيها تعتبر كالجناية التامة، ويعاقب عليها بهذه الصفة.“ 
عناصر المحاولة: 
انطلاقا من النص السابق يمكن استخراج العناصر التالية:
النية الإجرامية : لا بد أيضا أن تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة التامة أي بكل عناصرها، حيث يهدف الجاني إلى إتيان السلوك وتحقيق نتيجة معينة، ومن هنا كانت المحاولة دائما جريمة عمدية ذات قصد جنائي.
البدء في التنفيذ: ويعني أن المجرم يبدأ و يشرع في تنفيذ الركن المادي للجريمة بأي عمل يهدف إلى تحقيق نتيجتها، فلا محاولة إذن إذا لم يبدأ الجاني في تنفيذ الجريمة أو لم يأت أي عمل لا لبس فيه يهدف مباشرة من ورائه إلى تحقيق جريمته.
انعدام العدول الإرادي : هذا العنصر يعني توقف المجرم عن إتمام الركن المادي للجريمة بسبب ظروف لا دخل لإرادة الجاني فيها. فهناك ظرف أو مانع خارجي يتدخل فيحول دون إتمام التنفيذ. وذلك كأن يرى المجرم أثناء قيامه بفعلته رجال الشرطة مقبلين نحو مكان الحادث، فهذا عدول غير إرادي. 
صور المحاولة : 
للمحاولة ثلاث صور هي: الجريمة الموقوفة، الجريمة الخائبة، الجريمة المستحيلة.
- الجريمة الموقوفة: 
وهي التي تقف فيها أعمال التنفيذ لأسباب خارجية عن إرادة الجاني قبل أن يشغل ما أعده من الوسائل لاقتراف الجريمة. ونحو ذلك أن يصوب شخص بندقيته نحو خصمه، وعندما يهم بإطلاق النار يدركه شخص ثالث فينزع منه البندقية أو يهدده بسلاحه إن هو نفذ جريمته. فهنا إن لم يتم النشاط نكون أمام جريمة موقوفة. 
- الجريمة الخائبة: 
هي الجريمة التي لا تتحقق نتيجتها الإجرامية دون عدول من الجاني أو تدخل لأي عامل أجنبي رغم أن الفاعل استنفذ كل الأنشطة التي اعتقد أنها سوف توصله إلى النتيجة التي أرادها. ومثال ذاك أن يريد شخص سرقة مال شخص آخر وعندما يضع يده في جيبه يجده فارغا من النقود.
- الجريمة المستحيلة : 
وهي الجريمة التي لا يمكن فيها أن تتحقق فيها النتيجة الإجرامية لأن ذلك مستحيل و غير ممكن و مثال ذلك : ” محاولة إجهاض امرأة وهي غير حامل “.
العقـاب: 
محاولة الجناية: يعاقب عليها بالعقوبة المقررة للجناية التامة (الفصل 114). 
محاولة الجنحة: يعاقب عليها إذا نص القانون صراحة على ذلك بالعقوبة المقررة لهذه الجنحة (الفصل 115).
محاولة المخالفة: غير معاقب عليها إطلاقا (الفصل 116). 
مثال: شخص وقف ليلا أمام متجر، فربما فعل ذلك لينظر إلى الملابس المعروضة داخل الواجهة الزجاجية للمتجر، أو ربما لسرقته. 
فحارس الأمن لا يمكنه استفسار هذا الشخص عن وقوفه، ولكن إذا شرع في تكسير الواجهة الزجاجية، وجب آنذاك التدخل وإيقافه لأن محاولة 

السلطة و الحرية


لما كانت السلطة تعني القدرة على التأثير في الآخرين بوسائل مشروعة ومعتـرف بها من قبلهم لأنها تحقق أهدافهم ، فإن قبولهم واحترامهم لها يصبحان قبولاً طوعياً بإرادة حرة، كما أن الحرية تصبح بالوقت ذاته من جهة أخرى الوسائل والأدوات التي تستخدمها السلطة في إقناع الآخرين لتحقيق أهدافها، ومن جهة أخرى وسيلة الآخرين في قبولهم أو رفضهم السلطة. ومن هنا تتحدد علاقة السلطة بالحرية. فالسلطة التي تتأسس على الاحترام وقبول الحق لا يمكن أن تتنكر للآخر في قبول الحق أو السلطة مما يعنى استمراراً للحق ورضا عنه. 
وبهذه العلاقة المتبادلة بين السلطة والحق تنشأ العلاقة المتبادلة بين السلطة والحرية، لأن الحرية حق يجب أن تمارس فتكتسب ، أما السلطة التي لا تعترف بحق الآخر ولا تُقر بالحقوق والواجبات هي في الواقع ليست سلطة، لأنها تأسست على غير الحق لكنها تسترت به كي تحمي نفسها وتظلم الآخر، فالظلم نقيض للحق كما أنه نقيض للحرية . 
والحرية بهذا المعنى هي انعدام القسر الداخلي والخارجي بذات الفرد والاختيار بالإرادة الحرة ؛ أي التحرر من كل قيد إلا ما يقيد قيود الآخرين ويضبط حركتهم في مجال الحياة مع الآخر، بحيث ينتفي معنى الظلم وتتحقق الحرية في جوف العدل ، و ينتهي طغيان القوة الذي يشكل تطرف القوة في استخـدام القوة ( القمودي : 1996 ، ص 22 – 25 ) .
فالشخص الذي يعمل وفق إرادته باستطاعته الاختيار بين الأفكار المختلفة وبهذا فقط يشعر بالحرية وتتحدد ملامح الإرادة الحرة في شعوره وترتبط تلك الإرادة بالفكرة التي تتحدد فيها أفكاره بأفعاله ( القمودي: 1996،ص22 – 25).
ويشير في هذا المجال "العروى" إلى أن " سارتر" يؤكد هذا عندما يقول "إننا لا ندري دواتنا إلا من خلال اختياراتنا، وليست الحرية إلا إحدى هذه الاختيارات الغير مشروطة " ( العروى : 1998 ، ص 68 ) .
ولهذا السبب يري وطفه أن " كانت Kant " محق في تساؤله الأتي: "كيف يمكن الجمع بين الخضوع والسلطة تحت قسر قانوني يجمع بين ملكية استخدام المرء لحريته ؟ . ويجيب عن ذلك بأن القسر ضروري للحياة، ولكن المهم كيفية ممارسة الحرية تحت قيود القسر، لهذا يرى ضرورة تعلم كيفية تحمل القسر بأنواعه وكيفية توظيف استخدام الحرية في ظل هذا القسر(وطفة:1999، ص148).
لا شك في أن حرية الإنسان في ممارسة السلطة مع الغير حرية مقيده بقيود السلطة نفسها ، فالسلطة قيد مفروض على الحرية ، كما أن ممارسة السلطة مع الآخرين مشروطة بقواعد وأسس متفق عليها ، أي أن الحرية مقيدة بشروط السلطة وأسسها وفقاً لارتباط الشروط في كل منهما بالآخر فإن مفهوم السلطة متطابق مع مفهوم الحرية ومتداخل معها في العمل والفعل .
ويؤكد هنا وطفه أن " كانت Kant " يلح على ضرورة ترك الفرد يتعلم كل شيء بحرية تامة، شرط ألا يتعارض مع حرية الآخرين، وألا يمارس عليه القسر في استخدامه لممارسة الحرية ليصير ذات يوم حرٌ لأن الإنسان بطبعة ميال للحرية، وإذا فقدها يصبح مستعداً لأن يضحي من أجلها (وطفة 1999ص148– 150)
يتضح مما تقدم أن ممارسة الحرية ليست مطلقة بل يجب أن تكون مقيدة مع الآخر، وفي حدود متفق عليها معه, كما هي مع السلطة، فالسلطة والحرية وجهان لشيء واحد. 
إن الإنسان لا يشعر بالسلطة إلا مع الآخر كذلك فإن شعوره بالحرية لا يظهر إلا مع وجود الآخر ، فالسلطة والحرية تحددان من خلال علاقتهما بالآخر، ولا يمكن فصل أي منهما عن الآخر، لأن وجودهما ارتبطا أساساً بعلاقة الفرد مع الآخر وليس بعلاقة الفرد بنفسه.
ومن أجل ذلك يشير "العروي" إلى أن شعور الإنسان بالحرية في المرحلة الطبيعية كان غير مكتملاً وبدأ بالتزايد مع المرحلة الاجتماعية، نتيجة تزايد الحدود المفروضة على نشاطه الذي دفعة لزيادة اكتمالها فيما بعد . ويشير أيضاً إلى أن هذا الشعور هو المهم، وهو الذي يستحق أن يوصف بدقة، لأنه هو الذي منح مفهوم السلطة ومضمونها، وهذا ناتج من تطور اجتماعي لم تكشف عنه السلطة بل هو الذي كشف عن معنى السلطـة، وجعلهـا تنتشر وهيأ لها فرصة التـأثير والانتشار (العروى : 1998 ص 34 ) . 
ويقول في مكان آخر أن الحرية هي السابقة على ما سواها من حدود أو حواجز ولو لم توجد الحرية لما وعينا تلك الحدود والحواجز. فالحدود والحواجز لا تهدينا إلى الحرية، بل تجعل منها حواجز للحرية المطلقة , والحرية هي أولي كل الأشياء التي يجب أن ينطلق منها وجود الإنسان ( العروي 1998، ص 69 ) . 
هكذا هي علاقة السلطة بالحرية وبتعبير أكثر دقة فإن مفهوم السلطة يتداخل مع مفهوم الحرية. لا بل فإن الحرية سلطة وأن السلطة حرية كذلك فإن السلطة قيد على الحرية وأن الحرية قيد على طغيان السلطة. ولذا فإن الأفراد في علاقتهم بالسلطة يجبرون على تقبل شراكة هذا القيد بنفس حصة كل منهم في قبوله لقيد الشراكة والتساوي في الوجود الإنساني وفي الحرية( القمودى:1996، ص26– 27). 

السلطة و التسلط

-
إذا كانت السلطة تعنى قوة التأثير في الآخر من خلال إصدار فعل الأمر وتنفيذه بموجب العلاقة الشرعية القائمة بين أطراف السلطة التي يقبلها جميعهم بمحض إرادتهم فإن التسلط هو نقيض للسلطة ونفي لها ، وهو ظهور لمبدأ القوة المعلن القائم على القسر والإكراه الذي يستند على الإفراط في ممارسة السلطة وإلغاء حق الفرد الشرعي في الحصول على مكاسب السلطة واحترامها . 
لقد ارتبط في فهم عامة الناس ولدى كثير من الباحثين مفهوما السلطة والتسلط معاً دون تفريق بينهما ، مما أضفى على مفهوم السلطة جانباً سلبياً جعله مرادفاً لمفهوم التسلط ، واستخدم تبعاً لذلك لتحقيق أغراض خاصة وغايات معينة مما أدى إلى سلب السلطة معناها الحقيقي ، وجعلها مرادفة لمعنى التسلط وأُبعدت عن مجال وظيفتها المتمثل في تحقيق الأهداف العامة بوصفهم شركاء في الفعل والعمل.
لقد أدى هذا الخلط في الفهم بين السلطة والتسلط إلى إعطاء المفهومين معنى واحداً أُبعدت فيه حرية المشاركة في الرأي , وخرجت فيه الطاعة دون خيار وأصبح الفرد لا يقوى على المشاركة واتخاذ القرار ، لاسيما وأن مفهوم السلطة قد مُنح قوة مادية معلنة تجاه من يرفض قبولها ولا يخضع لها. وبذلك فقدت هذه السلطة شرعيتها في نفوس الخاضعين لها ، ولم يصبح بمقدورهم الالتزام بواجباتهم نحوها ، لأن قوة التأثير لم تعد نابعة من الداخل ، ولكنها مرتدة إلى الداخل بفعل قوة نفوذها الخارجي المتمثل في إرادة الآخر .
إن هذا التداخل والغموض وعدم التفريق بين مفهوم السلطة الأبوية ومفهوم التسلط شغل عديداً من الباحثين في مجالات العلوم الاجتماعية والسلوكية بوجه التحديد , وتجسدت هذه الإشكالية في معرفة الخط الفاصل بين المفهومين. 
وفي هذا يقول محمد جواد رضا: أن هناك خطاً رفيعاً بين السلطة والتسلط ويمكن أن ينزلق الناس من مفهوم السلطة إلى ممارسة التسلط ، واصفاً نوعين من السلطة : وهي السلطة القاهرة والسلطة المربية ( رضا: 1984 ، ص82 ) .
ويضيف " كاتبي" بقوله: أن الخط الفاصل بين مفهوم السلطة ومفهوم التسلط يشكل بدوره الحد الفاصل بين الحرية والعبودية، وبين العدالة والظلم، وبين الخير والشر، وبين الحق والباطل ( كاتبي: 2004، ص99 ).
وقد يكون وراء الخلط بين مفهومي السلطة والتسلط احتوائهما على معنى القوة الذي يتضمنه كل منهما, ويتم ممارسته فيهما بطريقة واحدة, فحينما تستخدم السلطة المعلنة مع الآخر تتحول إلى تسلط وتصبح معبرة عنها. ولهذا السبب كان الخلط والغموض بين مفهوم السلطة ومفهوم التسلط . هذا الخلط هو الذي أدى إلى التباس مفهومي السلطة والتسلط في عدد من الكتابات التي تناولت السلطة ، وأُستعمل مفهوم السلطة باعتبارها القوة التي تفرض على الآخر دون مراعاة لقيم الحق والحرية والمساواة بين أطراف السلطة . 
ويضاف إلى ذلك أن علاقة السلطة بالفعل والمضمون تختلف عن علاقة التسلط بهما ، فرغم أن كلاً منهما يتضمن وجود قوة تصدر الأوامر وأخرى تستجيب لها، إلا أن مضمون تلك العلاقة القائمة بين الطرفين في مفهوم السلطة يقوم على أساس وجود حق طبيعي وشرعي يتعرف كل منهما بالآخر، مقابل قيام كل منهما بدور معين تجاه الآخر ، أما العلاقة القائمة بين الطرفين في مفهوم التسلط فهي مختلفة عنها في مفهوم السلطة ، لأن هذه العلاقة تنفي وجود حق الآخر عندما تتخذ من مبدأ القوة وسيلة لتحقيق هدف الآخر ، في حين تكون العلاقة مع الآخر هي الهدف في مفهوم السلطة .
والسلطة بحسب " بيرداكو Pierre deco " هي وسيلة لتحقيق هدف واقعي, وتتمثل بالقيادة الديمقراطية في صورتها النقية التي تحترم الآخرين احتراماً كلياً ، أما التسلط فهو نقيض ذلك ، إذ توظف ممارسات التسلط قوة السلطة لتصبح غاية بحد ذاتها، فتنتفي بهذا إمكانيات الحوار مع الآخرين ، ويكون المتسلط صاحب السلطة المطلقة والطاغوت المنفرد بالقوة في مختلف مناحي الحياة يرفض أي نقاش ويطالب الآخرين بكل شيء ولا يعطي شيئاً ( بيرداكو : 1985، ص 197). 
وهذا يدفع إلى التأكيد على أن السلطة تقوم على علاقة تؤدي إلى إشاعة الحب بين الأفراد ، أما التسلط فيعوق الارتقاء النفسي والاجتماعي للفرد ويؤدي إلى إشاعة المقاومة والعناد والكره ( الحافظ : 2002 ، ص 66 ) . 
على أية حال تتميز السلطة بوجود اعتراف متبادل بين طرفيين تخضع فيها إرادتهم لتحقيق مصلحة مشتركة بموجب خضوعهم لمشيئتها، بحيث يتم لهم تقديم المكافأة المادية والمعنوية ، ويجعلهم يدافعون عنها حين تعرضهم لأي مخاطر وبقدر اندفاعهم نحوها في تنفيذ أوامرها تتحقق لهم المصالح المشتركة (ميتشل: 1981، ص 30 ) .
ولأبد من التأكيد على أن تحقيق السلطة يعتمد على ثلاثة عناصر أساسية هي:
1. قدرة الفرد أو الأفراد على تنفيذ أوامر السلطة. 
2. توافر الاستعداد والقبول بالرضا والطاعة .
3. وجود مصلحة مشتركة وهدف عام مشروع يقبل به الجميع .
4. حسن اختيار الأسلوب المناسب الذي تنفذ به السلطة أوامرها . 
أما علاقات التسلط فهي تقوم على مبدأ الإلزام والإكراه الذي يتم بموجبه خضوع طرف لإرادة طرف آخر بالقوة، وتنتفي فيها الأهداف العامة والمصالح المشتركة التي تحقق الحرية والمساواة بين أطراف العلاقة. ويتحقق التسلط بوجود العناصر الآتية: ( وطفة والشهاب : 2004، ص 102-103 ) .

1- ظهور أسس التباين والمساواة بين أطراف العلاقة.
2- استخدام قوة التسلط بأشكاله المختلفة المادية والرمزية .
3- غياب العلاقات الودية واستنادها على علاقات التجافي وعدم الحوار. 
4- انعدام الثقة بين الأطراف وسيادة مظاهر الخوف والقمع .
5- توظيف القوة بصورة عبثية بحيث تكون هدفا وغاية في ممارسة التسلط.

يستنتج مما تقدم أن السلطة تهدف إلى تحقيق غايات مشتركة وأهداف نبيلة ، يتحقق فيها مصلحة الطرفين ، ويشعر كل منهما بحقه تجاه الآخر في علاقة متكافئة وبإرادة حرة تقوم على أسس من العدالة المشتركة وتستخدم فيها القوة لصالح الطرفين ومصلحتهما . 
أما التسلط فيهدف إلى استخدام القوة في أشكالها المادية والرمزية، لإخضاع الآخر، وإكراهه على عمل ما، وإنكار عليه الحق في التصرف وفق إرادته، وجعل قوة التسلط غاية في حد ذاتها لتحقيق أهداف ومصالح الأقوى . وبذا فإن التسلط هو نقيض للسلطة بكل ما تحويه الكلمة من معنى ، فالعلاقة القائمة بين الأطراف علاقة غير طبيعية تتسم بالطابع الشكلي فقط من حيث مصدر الفعل وقوته وأسلوبه وأداته وجهة قبوله وهدفه ، وفي هذا يشير " ناصف نصار" إلى أن التسلط هو انتحال للحق في الأمر من دون تبرير كاف معقول، أو هو تجاوز للنطاق المعين للحق في الأمر (نصار:2001 ، ص8 ) . فالمتسلط هو فرد عنيف يلجأ إلى استخدام العنف في كل مناسباته التسلطية ، فيصبح بهذا ممارساً للعنف وممارساً للقوة بأقصى درجاتها لهذا لا يمكن لفكرة التسلط أن تقوم إلا باستخدام العنف الذي ينطوي على الإذلال والقهر والعدوان بالقوة (وطفة: 1999، ص 126). 
خلاصة القول: أن علاقات التسلط تقوم على مبدأ القوة في أشكالها المتعددة وتتضمن علاقة بين طرفين أحدهما غالب والآخر مغلوب ، ولا يوجد اعتراف حر متبادل بينهما ، وعلاقة الغالب بالمغلوب تتصف بعدم الاعتراف مع الطرف المغلوب ، ولذلك فهي نقيض لعلاقة السلطة .

[شرح]مفهوم العلوم السياسية+مجالات العلوم السياسية

مفهوم العلوم السياسية 
علم يعنى بدراسة منهج الحياة السياسية .. ويحاول علماء السياسة الإجابة في هذا السياق عن أسئلة محددة، مثل : ما الأسباب التي تبرر ممارسات الدولة ؟ ومن الذين تخدم الدولة مصالحهم؟ .
* تتناول العلوم السياسية بالدراسة والتحليل الأنماط المختلفة للحكومات والأحزاب وجماعات الضغط والانتخابات والعلاقات الدولية والإدارة العامة. تنطوي هذه الأنشطة في إطارها الفردي والجماعي على علاقات إنسانية أساسية. إضافة لهذا، يهتم هذا العلم بدراسة القيم الأساسية، مثل المساواة والحرية والعدالة والسلطة .
* ـ ترتبط العلوم السياسية ارتباطًا وثيقًا بالعلوم الأخرى، مثل الاقتصاد والتاريخ والقانون والفلسفة والاجتماع .
* فالعلوم الاقتصادية تتناول المسائل المتعلقة بالتحكم والسيطرة على الموارد المادية، مثل تبادل السلع والخدمات، التي تؤثر تأثيرًا مباشرًا على هياكل القوى السياسية ، وهذه تؤثر بدورها في السياسة الداخلية والعلاقات الدولية .
* أما التاريخ فذو صلة وثيقة بعلوم السياسة؛ لأن الحوادث التاريخية تعد مادة أولية لابد للباحث السياسي من الإحاطة بها .
* ويقدم القانون الإطار الفكري الذي يرتكز عليه عالم السياسة في التحليل .
* وتربط الفلسفة العلوم السياسة بالعلوم الأخرى، كما يزود علم الاجتماع الباحث السياسي بمختلف جوانب التطور الاجتماعي ذات الأثر المباشر على الحياة السياسية .
* ـ ارتبطت أهمية دراسة العلوم السياسية في الأزمنة الحديثة بصعود نجم الديمقراطية وانتشارها نظامًا للحكم؛ فالعلوم السياسية تؤدي دورًا مهمًا في تحليل العمليات الحكومية، حيث يناط بعالم السياسة دراسة وتحليل عمليات الأجهزة الحكومية .
* كما ينصب الاهتمام في هذا الصدد على الإحاطة بالحقائق الأساسية المتعلقة بالحكومة، مما يُمكِّن من تقويم الأداء الحكومي وإصلاحه .
* ويعد هذان العاملان من أهم مرتكزات الديمقراطية .. إضافة لذلك تناط بعلماء السياسة تطوير برامج التثقيف السياسي، وتدريب الأجيال الجديدة التي بدونها لا يمكن للديمقراطية أن تزدهر .
* ـ وقد اتسعت وتشعبت ميادين العلوم السياسية، مما أتاح للمتخصصين والباحثين والمدرسين فرصًا متنوعة للعمل في هذا المجال .. فهم يشتركون كمستشارين في البرامج الحكومية، أو يقدمون النصح والمشورة للموظفين العموميين .
* ـ مجالات العلوم السياسية :

* تنقسم العلوم السياسية إلى ستة ميادين :
1- النظرية السياسية والفلسفة .
2- علم السياسة المقارن .
3- العلاقات الدولية .
4- الحكومات الوطنية والعلوم السياسية .
5- الإدارة العامة .
6- السلوك السياسي 

* ـ النظرية السياسية والفلسفة .

* يستخدم علماء السياسة المدخل التاريخي في دراسة هذين الميدانين، حيث يرى معظمهم أن تاريخ الفكر السياسي والفلسفة، يشكلان المنبع الأساسي الذي يجب أن تنهل منه الدراسات السياسية .
* ويعد الرجوع للمصادر الأساسية في النظرية والفلسفة أمرًا مهمًا؛ لأنه يمكن الدارسين من الإلمام بالأسس العامة للعلوم السياسية .
* وتشمل قائمة المصادر لهذا العلم مؤلفات الغربيين مثل : أفلاطون وأرسطو وشيشرون وتوما الأكويني والقديس أوغسطين ونيقولو مكيافللي وتوماس هوبز وجان جاك روسو وجون لوك ومونتسكيو وإيمانويل كانط وهيجل وكارل ماركس وكتابات جيرمي بينثام وجون ستيوارت ميل .
* كما تشمل مؤلفات المفكرين الإسلاميين مثل الفارابي والماوردي والإمام الغزالي والإمام ابن تيمية وابن خلدون .. وتمكّن هذه المصادر الكلاسيكية الباحثين في العلوم السياسية من التعمق في قضايا السياسة التجريبية، بحيث يستطيعون الوصول إلى تعميمات صحيحة ودقيقة ترتكز على حقائق ثابتة، تتناول شتى الموضوعات، مثل كيفية الوصول إلى السلطة والأسباب المفضية إلى انهيارها .

* ـ علم السياسة المقارن .

* يرتكز فهم الحقائق والممارسات السياسية في المقام الأول على مقارنة المؤسسات والممارسات السياسية في قطرين أو أكثر .. ويتخصص بعض علماء علم السياسة المقارن في مجموعة من النظريات السياسية مثل نظريات التحديث، والتنمية، والبنيوية، والثقافات، والتبعية وتطبيقها منهجيًا على دول أو مناطق يختارها الباحث .

* ـ العلاقات الدولية .

* يشمل هذا الفرع دراسة الدبلوماسية والقانون الدولي والمنظمات الدولية والمحركات والمؤثرات التي لها أثر مباشر أو غير مباشر في صنع السياسة الدولية .
* وقد ركز العلماء منذ عام 1945م على دراسة الأمم المتحدة .. وفي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين الميلادي، تركز اهتمام المتخصصين على دراسة الصين والبلدان النامية في إفريقيا وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا .
* كما أصبحت التيارات الفكرية المعاصرة التي تشمل الإمبريالية والوطنية، موضوعات مهمة في دراسة العلاقات الدولية .
* وقد تناول هذا الفرع من العلوم السياسية دراسة السياسات الدفاعية، والمشكلات المتعلقة بالسلم والحرب .. إضافة لذلك قام علماء السياسة بدراسة أثر الضغوط الاقتصادية على العلاقات الدولية .

* ـ الحكومات الوطنية والعلوم السياسية .

* يعد هذا الفرع من المجالات التي يوليها علماء السياسة اهتمامًا خاصًا يفوق اهتمامهم بدراسة الحكومات الأخرى ، ويُعزى هذا الأمر لإدراكهم أهمية دراسة حكوماتهم الوطنية وتطورها .

* ـ الإدارة العامة .

* تعد الإدارة العامة فرعًا أو جزءًا من دراسة علم السياسة المقارن والشؤون السياسية الداخلية ، ويعزى استقلال الإدارة العامة عن ميادين العلوم السياسية إلى اتساع وتعقد أنشطة الإدارة الحكومية المعاصرة .
* وتتناول الإدارة العامة بالدراسة عدة موضوعات، مثل : واجبات الموظفين العموميين والمحاسبة، وإدارة شؤون الأفراد .. وهناك تعاون وثيق بين الموظفين العموميين وعلماء السياسة من المتخصصين في الإدارة .. ويقوم هؤلاء الخبراء بدراسة الإدارات المختلفة للحكومات الوطنية، كما يحللون مدى تأثير التنظيمات والسياسات الداخلية للدوائر الحكومية في الإسهام أو إعاقة تطبيق القرارت والبرامج الحكومية .

* ـ السلوك السياسي .

* يحاول الدارسون في هذا الحقل معرفة كيفية استجابة الجمهور لبعض المؤثرات السياسية .. ويمكن الاستشهاد في هذا الصدد بمحاولات بعض علماء السياسة إحصاء عدد الناخبين الذين كان معيارهم لاختيار المرشح حسن المظهر الذي بدا به عندما خاطبهم عبر جهاز التلفاز .
* وتعكس الدراسات السلوكية التيارات الجديدة في دراسات العلوم السياسية التي تأثرت بالإسهامات والتطورات في مجال العلوم السلوكية، مثل علم دراسة الإنسان (الأنثروبولوجيا)، وعلم النفس والاجتماع .
* وقد طور علماء السياسة مناهج تمكّنهم من دراسة أنماط السلوك الرئيسية في السياسة ، شملت هذه الدراسة عدة ميادين، مثل الاتصالات والسلوك الانتخابي والدعاية ومختلف الأنشطة السياسية الأخرى .

* ـ تطور العلوم السياسية :

* أطلق الفيلسوف الإغريقي أرسطو على علم السياسة لقب سيد العلوم؛ لاعتقاده أن كل العلوم قد نهلت من ينابيعه ـ وقد سخر عدد من العلماء لمدة طويلة من هذه الفكرة ـ أما في عالمنا المعاصر، فلقد تطابقت رؤى عدد كبير من العلماء مع مقولة أرسطو لإدراكهم للأخطار التي يمكن أن تترتب على اندلاع حرب ذرية تقضي على الإنسانية جمعاء ، وتأكدت قناعات هؤلاء العلماء بأن الإلمام بالأساليب التي تمكن من السيطرة والتحكم السياسي في نتائج العلوم، يمكن أن يترتب عليها إقرار السِّلم، ومن ثمَ يمكن أن يعد من أهم الإنجازات الإنسانية .
* كان أرسطو وأستاذه أفلاطون يعتقدان أن علم السياسة يولي اهتمامًا كبيرًا لتطوير نموذج مثالي لنظام سياسي يتسم بالاستقرار والتطبيق المطلق لقيم العدالة ، ويدرك المطلّع على أعمال أفلاطون أنه كان فيلسوفًا يستمد أفكاره الثاقبة من التأملات المجرّدة، بينما كان أرسطو في الجانب الآخر يرتكز في تطويره للنظريات السياسية على دراسات تجريبية في السياسة .



المصدر : منتديات طلبة كلية العلوم القانونية 

الفرق بين العرف والعادة

الفرق بين العرف والعادة

يقصد بالعرف اعتياد الناس على سلوك معين في أمر من أمور حياتهم بحيث ينشأ عن هذا الاعتياد قواعد يتم الاعتقاد بأنها ملزمة وواجبة الاتباع. والعرف ملزم من الناحية القانونية ويشترط لذلك أن يكون الاعتياد عام أي يستقر عليه التعامل من غالبية المجتمع سواء المجتمع ككل أو مجتمع معين كالتجار. ويشترط إيضاً في العرف أن يمضي على العمل به مدة طويلة تفيد ترسخها في نفوس الناس، وأن يستمر اتباعها بطريقة منتظمة مما يتوفر عندئذ معنى الاستقرار والوجوب والقناعة لدى أغلبية المجتمع بإلزامية هذه القواعد العرفية، ويشترط أخيراً في العرف لكي يكون ملزماً ألا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.

أما العادة فهي اعتياد الناس على أمر ما دون أن يتولد الشعور لديهم بأن هذا الأمر ملزم لهم والفنادق. والفرق الرئيسي بينهما هو الشعور بإلزامية القاعدة المتبعة والجزاء المطبق في حال مخالفتها، فمخالفة العرف قد يستوجب العقاب أما مخالفة العادة فلا تستتبع إلا الجزاء الأدبي من الاستنكار والمعاملة بالمثل، ما لم يتفق صراحة بين الأطراف على إلزامية العادة. ويتفق العرف والعادة في أن كلاهما قواعد غير مكتوبة.


    لقانون العام والقانون الخاص

    يمكن التحدث عن فروع القانون فى القواعد القانونية بصفة عامة حيث يمكن تقسيمها الى قسمين اساسيا هما :القواعد القانونية العامة والقواعد القانونية الخاصة ويعتبر هذا التقسيم من التقسيمات التقليدية التى لا زالت سائدة ومستقرة فى الفقه الحديث على ان هذه التفرقة هيا تفرقة نسبية تعرف بعض النظم القانونية مثل القانون اللاتينية الجرمانية وسوف نتحدث فى هذا البحث عن فروع القانون العام والقانون الخاص وما يشمل كليهما:

    اولا:التكلم عن القانون العام وفروعه:

    تعريف القانون العام: مجموعة قواعد المنظمة للعلاقات التى تكون الدولة باعتبارها صاحبة سيادة طرفا فيها

    فروع القانون العام : ويقسم الفقهاء العام الى قانون عام دولى او خارجى وهو القانون الذى ينظم مجموعة القواعد الق انونية المنظمة للعلاقات بين الدول والمنظمات الدولة فى حالتى السلم والحرب وقانون عام داخلى يتفرع
    بدورة الى الفروع الاتية:

    أ: القانون الدستورى: وهو يتضمن مجموعة القواعد المحددة لشكل الدولة ونظام الحكم فيها وتنظم السلطات العامة فى الدولة وتبين الحقوق والحريات العامة للافراد .

    ب:القانون الادارى: وهو مجموعة القواعد التى تنظم الادارة العامة للدولة ونشاطها الادارى ويحدد اجهزة الدولة والمصالح التابعة لها والهيئات العامة وكذلك القواعد المنظمة لنشاط الادارة من عقود وقرارات ادارية .

    ج:القانون المالى: وهو يتضمن مجموعة القواعد المنظمة لمالية من حيث ايراداتها ونفقاتها وتبين اوجه الانفاق ومراقبتها ووسائل الإيرادات من رسوم وضرائب د:القانون الجنائى:وهو يتضمن مجموعة القواعد التى تبين الافعال المجرمة فى المجتمع والعقوبات المقررة لهذه الافعال والاجراءات الواجب اتباعها للقبض على المتهمين والتحقيق معهم ومحاكمتهم وتوقيع العقاب عليهم ويتضمن القانون الجنائي نوعين من القواعد:
    الاولى: موضوعية وتحدد الاحكام العامة للجريمة والعقوبة والظروف المخففة والمشددة للعقوبة ويضمنها قانون العقوبات
    الثانى: إجرائية وشكلية تبين القواعد الواجب اتباعها فى محاكة مرتكبى الافعال المجرمة وطرق تنفيد الاحكام ويضمنها قانون الاجراءات الجنائية.


    **فروع القانون وفقا للتقسيم التقليدى**

    استقر الراى لدى فقهاء القانون فى النظام اللاتينى الجرمانى والنظم التى تاثرت بة على تقسيم القانون الى قمسين اساسين هما القانون العام باعتبارة مجموعة القواعد القانونية المنظمة للعلاقات التى تكون الدولة باعتبارها صاحبة سيادة طرفها فيها , والقانون الخاص الذة يتضمن القواعد المنظمة للعلاقات بين الافراد فمسالة الفصل بين القانون العام والقانون الخاص سمة من سمات القوانين التى تسود فى أوروبا


    **معايير التميز بين القانون العام والقانون الخاص **

    لمعرفة ما اذا كانت قاعدة قانونية معينة فى القانون العام او القانون الخاص وضع انصار هذا التقسيم عدة معايير
    ـ تنقسم القانون الى عام وخاص ويبنى على اساس الاشخاص اطراف العلاقة القانونية
    1ـ فاذا كانت الدولة طرفا فى العلاقة القانونية سواء اكان الطرف الاخر دولة او فردا دخلت تلك العلاقة فى نطاق القانون العام اما اذا كانت العلاقة بين افراد عاديين فان ذلك يدخل تحت نطاق القانون الخاص
    2ـ ان القواعد التى تفرض فيها سيطرة الدولة على الافراد تكون من قواعد القانون العام اما القواعد القانونية التى تعطى للافراد حرية الارداة دون تدخل الدولة فانها تكون من قواعد القانون الخاص.


    (( المعيار بين القانون العام والقانون الخاص ))
    هناك معيار ثالث يقيم التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص على اساس صفة الاشخاص اطراف العلاقة القانونية فتكون القواعد القانونية داخلة فى نطاق القانون العام اذا كانت الدولة طرفا فى العلاقة بصفتها دولة وتكون القواعد القانونية داخلة فى نطاق القانون الخاص اذا كانت العلاقة التى تنظمها قائمة بين افراد او بين فرد ودولة دون ان يكون تصرفها باعتبارها دولة بل باعتبارها شخصا عاديا

    الدولة التعريف والاركان


    الدولة



    أولاً: تعريف الدولة وأركانها

    الدولة l’etat هي شخص معنوي يمثل قانوناً مجموعة من الأفراد يقطنون أرضاً معينة، وبيده مقاليد السلطة العامة، ومن هذا التعريف يمكن القول إن هناك ثلاثة عناصر لابد من توافرها لوجود دولة ما، وهذه العناصر هي:

    1- الشعب population: تذهب غالبية الفقه إلى أن الركن الأول لأي دولة هو وجود «جماعة من الناس» ولا يشترط أن يبلغ عدد هؤلاء الناس مبلغاً محدداً للقول بتوافر هذا الركن، حيث يبلغ عدد سكان الصين مثلاً ما يزيد على مليار نسمة، في حين توجد بعض الدول لا يتعدى عدد سكانها عشرات الآلاف كما هو الحال في دولة بالاو Palaw مثلاً.

    ولكن من الواضح أن كثرة عدد السكان تعدّ عاملاً في ازدياد قوة الدولة ونمو إنتاجها وثروتها وبسط سلطاتها، ولكن ذلك ليس قاعدة مطلقة بل نسبية فالكثرة العددية لشعب من الشعوب لا تعني دائماً الرفعة والتفوق، فقد كانت هولندة تستعمر إندونيسية مع أن عدد سكان الأولى أقل من عشر سكان الأخرى، كما قد تؤدي ظروف الدولة إلى تبني سياسة وتنظيم النسل وتحديد التزايد السكاني، وقد حصل خلاف فلسفي حول طريقة وجود شعب الدولة، فطرحت فكرتان، محتوى الأولى أن الإنسان يعد كائناً اجتماعياً بالطبيعة، وأن الجماعات البشرية والشعوب تمثل ظواهر اجتماعية طبيعية تنشأ تلقائياً، وخارج إرادات الأفراد، أما محتوى الأخرى، أن المجتمعات البشرية ليست إلا ظواهر صناعية أرادها الإنسان، ووضعها على عينة لخدمة متطلبات حياته الحاضرة والمستقبلية، وأياً كان التفسير الفلسفي لحقيقة نشأة الشعوب والجماعات البشرية، فلا يزال السؤال المطروح، يلح في معرفة الأساس الذي جرى ويجري عليه حتى اليوم توزيع جماعات الأفراد والشعوب بين الدول المختلفة، ولعل استقراء التاريخ قد يجعل المرء يقرر أن هذا التوزيع يجري تارة بالغزو العسكري في صورة احتلال وضم، ويجري تارة بتأثير الموازنات الدبلوماسية بين مختلف القوى العالمية في شكل معاهدات أو تحالفات، ولكن نادراً ما يتم على أساس استفتاءات شعبية حرة، وعلى كل حال، فإن شعب الدولة لا يكون مجموعة منعزلة من الأفراد، بل هو في الحقيقة جماعات من الأفراد مرتبطين معاً جسدياً، ومعنوياً، اقتصادياً واجتماعياً، عقائدياً، وفكرياً، بمجموعة متشابكة من علاقات التضامن والتشابه والاحتكاك وتناول المنافع، وتقسيم العمل. ولا يصح، في ظل التقسيمات المعاصرة للدول، الخلط بين فكرتي الشعب والأمة، فالأمة حقيقة اجتماعية مفادها أن مجموعة من الأفراد تم انصهارهم واتحادهم تحت تأثير عوامل متعددة خلقت منهم جماعة لها بين الجماعات القومية ذاتها وتاريخها وأهدافها ورسالتها، ويجمع بين أفرادها في علاقاتهم المتبادلة واجبات متبادلة أيضاً بالمحبة وتبادل المعونة والتزامات لحماية الترابط القومي وتنميته، أما الشعب فلا يعدو أن يكون عنصر «السكان» في الدولة، وهو قد يكون أمة واحدة، حين تكون الأمة قد حققت استقلالها وكونت دولة قومية مستقلة وهو ما تجري عليه القاعدة، في بعض دول أوربة الغربية خصوصاً، ولكن الشعب قد يكون جزءاً من أمة موزعة بين أكثر من دولة، وصورتها الأمة العربية التي لا تزال تبحث عن طريق لتحقيق وحدتها السياسية واستقلالها في دولة قومية ذات سيادة كما قد يكون خليطاً من قوميات متعددة، وهذا ما كانت عليه الامبراطوريات القديمة كالامبراطورية الرومانية، أو ما كانت عليه الحال في الاتحاد السوڤييتي السابق.

    2- الإقليم le territoire: وإذا كانت الدولة في تعريفها الصحيح تفترض وجود مجموعة من الأفراد يعيشون معاً عيشة دائمة ومستقرة، فإن هذا الاستقرار والدوام لن يتحقق دون توافر الإقليم، بوصفه رقعة الأرض التي اختارها الأجداد وارتضاها من بعدهم الأبناء والأحفاد في أجيالهم المتتابعة مستقراً ومقاماً، ويجمع رجال القانون الدولي العام على أن من المعالم الرئيسية للنظام الدولي الحاضر، انفراد كل دولة برقعة محددة من أرض المعمورة تعرف بإقليم الدولة ولها وحدها عليه حق السيادة، بحيث يخضع لسلطانها كل الأشخاص والأشياء الموجودة عليه، بعكس ما كان في الماضي من سيطرة لنظام شخصية القوانين، فالدولة المعاصرة إذن منظمة سياسية إقليمية، لذلك لم يعترف الفقه للكنيسة الكاثوليكية بصفة الدولة، على الرغم من الاعتراف لها بالشخصية القانونية، إلا بعد معاهدة لاتيران سنة 1929، حين تحدد لها نطاق إقليمي معلوم، أصبحت بمقتضاه مدينة الفاتيكان بحدودها المقررة دولة ذات سيادة، وقد ثبت أيضاً لدى فقه القانون الدولي أن زوال إقليم الدولة يؤدي بالنتيجة إلى انقضاء شخصيتها الدولية، ولكن زيادة الإقليم أو نقصانه لا يؤدي إلى النتيجة نفسها، وإن كانت التزامات الدولة تتأثر زيادة ونقصاناً جراء ذلك.

    وليس من الضروري أن يكون إقليم الدولة منطقة أرض متصلة، فقد يتكون إقليم الدولة من عدد من الجزر، كما هو الحال في إندونيسية. ويفصل إقليم الدولة عن أقاليم الدول المجاورة حدود، ذات أهمية خاصة يحدد على أساسها امتداد سيادة الدولة، والأساس المعتمد في تعيين حدود الدول هو في الغالب المعاهدات والاتفاقات الدولية التي تبرم بين الدول المعنية صاحبة المصلحة، وقد تكون هذه الحدود طبيعية أنشأتها الطبيعة كالجبال والأنهار والبحار، وقد تكون الحدود غير طبيعية (صناعية)، وهي التي تلجأ إليها دول لا تفصلها حدود طبيعية، وتقام هذه الحدود عن طريق وضع علامات خاصة كالأعمدة والأبنية والأسلاك الشائكة أو جسم عائم فوق الماء وغير ذلك.

    وفي داخل هذه الحدود يتكون إقليم الدولة من مساحة من الأرض معلومة بكل ما تحت سطحها من طبقات لا نهاية لعمقها، وما تشتمل عليه من ثروات طبيعية، وما يعلوها من مجالات حيوية إلى ارتفاع معين، بحيث يكون ما يعلوه جواً حراً لجميع الدول، وكذلك تدخل المياه الإقليمية[ر: البحار(قانون -)]، للدول المطلة على البحار في نطاق الإقليم، وللدولة إقليم مائي داخلي يتضمن جميع الأنهار والبحيرات الموجودة داخل حدودها. وللإقليم بمفهومه المتقدم أهمية كبرى فيما يتعلق بممارسة سلطة الدولة، فهو يحدد النطاق الإقليمي الذي يمكن للدولة أن تحدد شعبها على أساسه تحديداً مادياً واضحاً، ومن ثم تجسيد العلاقة الرعوية، بين الدولة وأفراد الشعب، كما يساعد على تحديد نطاق اختصاص الدولة، فكأنه قاعدة الأساس في استقلال الدولة، والمدخل إلى حقها في السيادة.

    3- السلطة الحاكمة la puissance: يجب أن تقوم بين الشعب القاطن في الإقليم هيئة حاكمة ومنظمة لتشرف على الإقليم ومن يقطنونه، وتمارس هذه الهيئة سلطاتها باسم الدولة، ويتميز هذا الركن بأهمية خاصة لدرجة أن فكرة الدولة توحي أولاً وقبل كل شيء بفكرة السلطة العامة العاملة والمنظمة، ويجمع الفكر السياسي على أن وجود السلطة يتحقق حين ينقسم أفراد المجتمع إلى فئتين، فئة قوية تحكم أياً كانت مظاهر قوتها (اقتصادية، أو دينية، أو عسكرية، أو فكرية)، وفئة أخرى محكومة تخضع وتتطلع، وبهذا وحده تتحول الجماعة إلى مجتمع منظم، تسيطر عليه فكرة القانون الملزم، وتتحقق فيه فكرة الصالح العام، ويتم بها التصالح بين الغرائز الفردية والغرائز الاجتماعية في الإنسان، ويجمع فقه القانون الدستوري على أن السلطة السياسية ظاهرة اجتماعية لا مكان لها خارج النظام الجماعي، كما أنها ظاهرة نفسية تقوم على الرضا، فهي إن أخذت في الحياة الواقعية مظهر القوة المادية، فإنها قبل كل شيء، تعتمد في وجودها وفي شرعية تصرفاتها، على مدى ارتباطها بالضمير الجماعي وصدق تعبيرها عنه، ومن ثم، فهي تستقر في الأساس على رضا المحكومين بها وقبولهم لها، ولكن هذا لا يعني أن السلطة السياسية، كثيراً ما تعتمد في الدولة المعاصرة، على أساليب مختلفة، بعضها للضغط، وبعضها للإقناع، حتى تحمل الأفراد الخاضعين لها، على الرضا بها وتقبلها، وإضافة إلى ذلك فإن السلطة السياسية ظاهرة قانونية، إذ إن الصالح الجماعي المشترك الذي تتجمع حوله الحياة الجماعية ويحدد أهداف الأفراد وآمالهم المستقبلية لا يتحقق تلقائياً، فهو يتطلب من الأفراد أن يسلكوا فيما بينهم أنماطاً معينة من السلوك لا تهدد الصالح العام، وهو الأمر الذي يوجب أن يتوافر في المجتمع السياسي نظام سلوكي محدد يحيط بالأنشطة الفردية ويوجهها، وليست قواعد هذا النظام السلوكي في النهاية غير القانون، بيد أن هذا القانون الذي ينشأ مع نشأة المجتمع الإنساني، لا بد له من قوة عاملة تقوم على وضعه موضع التنفيذ، عن طريق وضع قواعد سلوك محددة ومعلنة رسمياً للناس، وتسهر على تنفيذها وحمايتها ضد كل محاولة للخروج عليها من جانب الأفراد.

    وقد ثار نقاش شديد حول القيمة التي يحملها الاعتراف بالدولة من جانب الدول الأخرى في المجتمع الدولي، ومدى تأثيره على الوجود القانوني للدولة، إذ انقسم الفقه في هذا المجال إلى اتجاهين، الأول: من أنصار النظرية المنشئة، وخلاصتها أن اجتماع العناصر الدولية الثلاثة (الشعب والإقليم والسلطة)، لا يكفي وحده لاكتساب الدولة الشخصية القانونية، ولا لدخولها بالتالي في المجتمع الدولي، بل يلزم الاعتراف بها كشرط إضافي من جانب الدول الأخرى، أما الاتجاه الآخر، فهو من أنصار النظرية المقررة، وخلاصتها أن الدولة توجد تلقائياً بمجرد اكتمال العناصر المادية الثلاثة المعززة لوجودها، وأنها على هذا الأساس، تدخل المجتمع الدولي بوصفها شخصاً قانونياً مسلماً به نشأ تلقائياً وذاتياً، ومع ذلك، فإنه لا يزال للاعتراف أهميته، لا بوصفه منشئاً للدولة، بل بوصفه الطريق الطبيعي لإيجاد علاقات تعاون عادية ومستمرة بين الدول والاعتراف بالدولة الجديدة قد يكون مشروطاً أو خالياً من الشروط، والشروط قد تكون صريحة، وقد تكون في تحفظات، وإذا كان الاعتراف غير المشروط هو الأصل، فقد يحدث أن تشترط الدولة المعترفة على الدولة الجديدة شروطاً معينة يلزمها احترامها حين تمارس سيادتها في المجال الداخلي، أو حين تتعامل مع الدول الأخرى، أو المنظمات الدولية، في مجالات السياسة الخارجية.

    ثانياً: التقسيمات القانونية للدول

    تذهب أغلبية فقه القانون الدولي العام، وكذلك أغلبية فقه القانون الدستوري، إلى أن الدول صاحبة السيادة الكاملة تنقسم إلى دول بسيطة simples أو موحدة ودول مركبة أو اتحادية mixtes، والدولة البسيطة، والموحدة هي الدولة في أبسط صورها، حيث تبدو كتلة واحدة وسيادتها موحدة ومستقرة في يد حكومة مركزية واحدة، دون مشاركة أو توزيع فهي تمتاز بوحدتها السياسية، أو بوحدتها الدستورية، ووحدتها في التشريع، حتى ولو لم تتحقق وحدتها الإدارية، أما الدولة الاتحادية أو المركبة، فإنها توجد فيها كتلة دستورية واحدة، إنما تتعدد فيها الدساتير، كما تتعدد سلطات الحكم على مستوى كل دويلة من الدويلات الداخلة في الاتحاد، ولعل أشهر أنواع الدول الاتحادية إنما يتمثل في الاتحاد المركزي أو الفيدرالي le federalisme والذي يتكون من مجموعة ولايات أو دويلات تضمها دولة اتحادية تكون لها كقاعدة عامة، كل مظاهر السيادة الخارجية، أما السيادة الداخلية فتوزع بين دولة الاتحاد والدويلات الأعضاء، وأمثلة هذا النوع من الدول كثيرة منها الولايات المتحدة، وسويسرا، ودولة الإمارات العربية المتحدة.

    ثالثاً: التشخيص القانوني للدولة 

    نظر الفقه إلى الدولة على الدوام على أساس تمتعها بالشخصية القانونية، بحيث تظهر كوحدة قانونية مستقلة عن الأفراد المكونين لها، على أن يكون معلوماً أن الدولة، ككل الأشخاص المعنوية العامة والخاصة، لا تتمتع بالوجود المادي الذي يتمتع به الشخص الطبيعي (الإنسان العادي)، وهو ما يجعلها غير قادرة على أن تمارس بنفسها مظاهر وجودها القانوني، وإنما يتكفل قانون الدولة الأساسي (الدستور)، بتحديد الأشخاص الآدميين (الحكام)، الذين يملكون قدرة التعبير عن إرادة الدولة وتمثيلها في كل ما تقتضيه مصالحها من علاقات وروابط، لذلك يصح القول إنه لا يُحس بالدولة ولا تُرى في واقع الحياة اليومية إلا من الحكام فهؤلاء هم الذين يحوزون سلطة الدولة ويتولون نيابة عنها حق الأمر والنهي في الجماعة، ويعد الفقه الألماني، هو المصدر التاريخي لهذا التكييف القانوني[ر] المستقر اليوم، والذي امتد خارج ألمانيا، حتى صادف قبولاً لدى أغلب فقه القانون العام المعاصر، ولاسيما في فرنسا، إلا أنه يفصل بين الفقه الألماني والفقه الفرنسي خلاف عميق في فكرة تشخيص الدولة، ذلك أن جماعة الفقه الألماني تنظر إلى الدولة نظرة مجردة عن الأمة وتراها كائناً قانونياً مستقلاً وشخصاً عاماً يملك وحده حق السيادة، أما جماعة الفقه الفرنسي فتخلط بين الدولة والأمة، ولا ترى الدولة شيئاً غير الأمة منظوراً إليها نظرة قانونية، وإنها بهذه الصورة تعتبر التشخيص القانوني للشعب، وتكون سيادتها وسلطتها العامة، المظهر القانوني للسيادة الشعبية، كما أن الفقه الفرنسي ذاته قد انقسم في مجال مناقشة هذه الشخصية، فقد ذهب فريق إلى الاعتراف بشخصية الدولة المعنوية في مجال القانون الخاص والحقوق المالية فقط، أما في مجال القانون العام، وما يتصل به من الاعتراف للدولة بامتيازات السلطة العامة، فلا مكان لفكرة الشخصية المعنوية ولا لفكرة الحقوق إطلاقاً لأن، كل ما تتمتع به الدولة في هذا المجال لا يعدو أن يكون مجرد اختصاصات أو وظائف يمارسها عمال الدولة، وموظفوها لتحقيق الصالح العام في إطار القانون، وعلى مقتضاه. في حين ذهب فريق آخر من الشراح إلى تأكيد ازدواج شخصية الدولة القانونية، بمعنى أن للدولة شخصيتين قانونيتين متميزتين، فهي في مجال القانون الخاص والحقوق المالية شخص من أشخاص القانون الخاص ولكنها في مجال حق السيادة وامتيازات السلطات العامة شخص من أشخاص القانون العام بفروعه المختلفة، والرأي الراجح في فقه القانون العام المعاصر، يجمع على أن الدولة ليست إلا شخصاً قانونياً معنوياً واحداً، يتصرف في إطار أكثر من نظام قانوني وتتمتع في مجال كل نظام منها بحقوق وامتيازات تتفق مع طبيعته وأهدافه، وتأسيساً على ذلك فإن الدولة حين تتصرف في مجال علاقاتها مع الدول الأخرى، تكون شخصاً من أشخاص القانون الدولي العام، ولكنها حين تتصرف داخل إقليمها، ومع رعاياها، فإنها تظهر بصفتها من أشخاص القانون الوطني، على أن تحكمها في هذا المجال قواعد القانون العام تارة، وقواعد القانون الخاص تارةً أخرى، وذلك في ضوء طبيعة العلاقات التي تكون طرفاً فيها، طبقاً للمعيار المستقر للتمييز بين موضوعات كل من القانونين، مع الإشارة إلى أنه وجد رأي فقهي مرجوح في فرنسة كان ينكر إطلاقاً الشخصية القانونية للدولة، وأبرز من مثل هذا الاتجاه العميد دوجي Duguit الذي برّر رفضه للشخصية القانونية للدولة على أساس أن الدولة ليست إلا ظاهرة اجتماعية طبيعية تنشأ تلقائياً حين يحدث ما سماه الاختلاف السياسي diferenciation politique بين أفراد المجتمع، بحيث تظهر فيهم فئة حاكمة يتعلق بها أمر السلطة العامة، وفئة محكومة يقع عليها واجب الطاعة والخضوع، وذلك بغض النظر عن الوسيلة التي يعتمد عليها الحكام في فرض أوامرهم، أي سواء أكان بالإقناع أم بالقوة. وعلى كل حال، تترتب على الاعتراف بالشخصية القانونية للدولة، عدة نتائج هي غاية في الأهمية:

    1- الأهلية القانونية: يؤدي القول إن الدولة تعتبر كائناً قانونياً قائماً بذاته ومستقلاً عن الحكام والمحكومين، في وقت واحد إلى ضرورة التسليم لها بقدرات مستقلة كذلك، تمكنها من إتيان التصرفات القانونية المختلفة، وهو ما يعرف بالأهلية القانونية، إلا أن أهلية الدولة القانونية وإن كانت تسمح لها أن تمارس كل أنواع التصرفات القانونية، كالاتفاقات والعقود وتصرفات الإرادة المنفردة إلا أن ما تتمتع به الدولة من سلطة عامة مرصودة لخدمة الجماعة قد اقتضى لها في القانون الوضعي المعاصر، كثيراً من الامتيازات الاستثنائية التي لا تعرفها غيرها من الأشخاص القانونية.

    2- ذمة الدولة المالية وحقوقها: وتأسيساً على ما تقدم، ثبت لدى فقه القانون العام، أنه لا بد لكل الأشخاص المعنوية والدولة أحد هذه الأشخاص من ذمة مالية خاصة ومستقلة عن الذمة المالية للأعضاء المكونين له، ولممثليه الذين يتصرفون باسمه، ومن ثم فإن الحقوق والالتزامات التي ترتبها تصرفات حكام الدولة باسمها ولحسابها، لا تعود إلى ذمة هؤلاء الحكّام المالية ولكنها تكون حقوقاً والتزامات لحساب الدولة ذاتها.

    3- وحدة الدولة: والدولة باعتبارها شخصاً قانونياً، مستقلاً ومتميزاً عن أشخاص الحكام والمحكومين على السواء، تمثل وحدة قانونية واحدة ودائمة، أما أن الدولة تمثل وحدة قانونية، فهذا يعني أن تعدد سلطاتها العامة من تشريعية وتنفيذية وقضائية وكذلك فإن تعدد ممثلي الدولة، وتعدد الأجهزة والأشخاص التي تعبر عن إرادتها وتعمل باسمها، لا يغير من وصفها كشخص قانوني واحد، وتفريعاً على ذلك فإنه يلزم في الدولة مهما كان مدى الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات، أن ترتبط السلطات العامة والتشريعية والتنفيذية والقضائية فيما بينها بنوع من التدرج الهرمي يسمح بالتعاون فيما بينها. وأما أن الدولة تمثل وحدة قانونية دائمة، فهذا يعني أن وجود الدولة كشخص قانوني واستمرارها، لا تتأثر بتغيير الأشخاص الممثلين لها أو بتغيير نظام الحكم فيها، ويبرر استمرار الدولة ودائميتها، اعتبارها شخصاً قانونياً مستقلاً ومتميزاً في وجوده وحياته عن وجود الأفراد المكونين له، أو الممثلين له، وأنها تستهدف أغراضاً تتجاوز عمر جيل بذاته من أجيال شعبها، وهذه الأغراض تبقى على الرغم من زوال الأفراد وتغير الحكام، وتطور الشكل الدستوري، مما يجعلها حقيقة باقية مستمرة ودائمة.

    رابعاً: خضوع الدولة للقانون

    لم تعد الدولة المعاصرة، تلك الدولة الاستبدادية التي يختلط فيها القانون بإرادة الحاكم ومشيئته، وإنما هي أساساً دولة يسودها مبدأ سيادة القانون والشرعية، ومقتضى هذا المبدأ أن أعمال السلطات العامة في الدولة وقراراتها النهائية، على أي مستوى كانت من التدرج لا تكون صحيحة ولا منتجة لآثارها القانونية المقررة، في مواجهة المخاطبين لها، إلا بمقدار مطابقتها للقاعدة القانونية الأعلى التي تحكمها، وكذلك فإن إجراءات السلطات العامة، وأعمالها، وتصرفاتها كافة، لا تكون صحيحة، ولا منتجة لآثارها القانونية المقررة إلا بمقدار التزامها بما يقضي به القانون، فإن صدرت هذه أو تلك على غير مقتضى القانون الواجب التطبيق، فإنها تكون غير مشروعة، ويكون لذوي الشأن حق طلب إلغائها والتعويض عنها أمام المحاكم المختصة، ومن هنا كان استقلال القضاء ودعم هذا الاستقلال، من ألزم الضمانات لإقرار مبدأ سيادة القانون وتوكيده، وفي الحقيقة، فإن نقطة البدء في فهم الدولة القانونية وتصورها، تتمثل في قدرة التمييز بين فكرة السلطة السياسية pouvoir politique، والحكام governamts، فإذا كنا لا نحس بالسلطة في واقع حياتنا العملية إلا من خلال الحكام، وما يملكونه في مواجهتنا من قدرة الأمر والنهي، إلا أن هؤلاء الحكام لا يمارسون السلطة، بوصفها امتيازاً أو حقاً لهم، بل يظهرون في موقع السلطة من خلال وظائفهم، واختصاصاتهم المحددة لهم سلفاً في القانون، ويمثل الدستور قاعدة الأساس في هذا المجال، لأنه حين يحدد الاتجاهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العامة التي تعيش في ظلها أوجه النشاط الفردي والحكومي على السواء، وحين يعين الأشخاص والهيئات العامة التي يكون لها حق التصرف باسم الدولة في نطاق من هذه الاتجاهات العامة، فإنه يحدد طاعته فكرة القانون واجبة الاتباع التي يجب أن يلتزم بها الحكام إذا أرادوا لتصرفاتهم أن تكون مشروعة ونافذة.


    المصدر : منتديات طلبة كلية العلوم القانونية

    جريمة إخفاء الأشياء المسروقة في القانون الجنائي المغربي

    النص القانوني:
    هو الفصل 571 الذي يقول:
    " من أخفى عن علم كل أو بعض الأشياء المختلسة أو المبددة أو المتحصل عليها من جناية أو جنحة يعاقب بحبس من سنة واحدة إلى خمس سنوات وغرامة من 200 درهما إلى ألفي درهم,ما لم يكن الفعل مشاركة معاقبا عليهما بعقوبة جنائية طبقا للفصل 129 ق.ج .
    العناصر التكوينية:
    أولا: العنصر المادي
    ويتجلى في فعل إخفاء الأشياء المختلسة أو المتحصل عليها من جناية أو جنحة.وسواء تمت حيازة هذا الشيء المخفي عن طريق الشراء أو الإيداع أو الإيجار أو غيره.كما لا يهم ما إذا كان تسلم هذا الشيء المخفي وقع من طرف مرتكب الجريمة نفسه أو من طرف غيره (الوسيط).
    ويجب أن يكون الشيء قد وقع الاستيلاء عليه بواسطة جناية أو جنحة مهما كان نوعها,شريطة أن يكون هذا الاستلام قد تم عن طريق شخص هو غير شخص المخفي.
    ولا يؤثر على المخفي ما إذا كان السارق غير خاضع للملاحقة أو أعفي من العقاب أو أن السرقة قد ارتكبت في الخارج أو أنها أصبحت غير معاقب عليها بسبب وفاة الفاعل الأصلي أو العفو العام أو الخاص.
    ثانيا: العصر المعنوي:
    هو القصد الجنائي أي أن المخفي عالم بالمصدر الإجرامي ومع ذلك تتجه إرادته الحرة إلى إخفاء هذه الأشياء.
    العقاب :
    يعاقب على هذه الجريمة بالحبس من سنة واحدة إلى خمس سنوات وغرامة من 200 درهم إلى ألفي درهم (الفصل 571 الفقرة 1) ويجوز أن يحكم أيضا على الفاعل بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المنصوص عليها في الفصل 40 من خمس سنوات إلى عشر (الفصل 573).
    إلا أنه إذا كانت العقوبة المقررة في القانون للجنحة التي تحصلت منها الأشياء أقل من العقوبة المشار إليها أعلاه,فان عقوبة الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 200 درهم إلى 2000 درهم تعوض بالعقوبة المقررة لمرتكب الجريمة الأصلية(فصل 571 الفقرة 2),مع جواز الحكم عليه دائما بالحرمان المذكور أعلاه .
    أما في الحالة التي تكون فيها العقوبة المطبقة على مرتكبي الجريمة التي تحصلت منها الأشياء المخفاة أو المبددة أو المتحصل عليها هي عقوبة جنائية فإن المخفي تطبق عليه نفس العقوبة إذا تبث أنه كان يعلم وقت الإخفاء الظروف التي استوفت تلك العقوبة حسب القانون.
    غير أن عقوبة الإعدام تعوض بالنسبة للمخفي بعقوبة السجن المؤبد(الفصل 572)
    الإعفاء من العقاب:
    يعفى من العقاب مع التزامه بالتعويضات المدنية من أخفى عن علم كل أو بعض الأشياء المختلسة أو المبددة أو المتحصل عليها من جناية أو جنحة,في الأحوال التالية :
    - إذا كان الشيء المختلس أو المبدد أو المتحصل عليه من جناية أو جنحة مملوكا لزوجه
    - إذا كان الشيء المختلس أو المبدد أو المتحصل عليه من جناية أو جنحة مملوكا لأحد فروعه
    قيود المتابعة:
    إذا كان الشيء المختلس أو المبدد أو المتحصل عليه من جناية أو جنحة مملوكا لأحد أصول المخفي أو أحد أقاربه أو أصهاره إلى الدرجة الرابعة فلا يجوز متابعة الفاعل (أي المخفي) الأبناء إلا بناء على شكوى من المجني عليه,وسحب الشكوى يضع حدا للمتابعة. 

    المصدر : منتديات