الخميس، 3 مارس 2022

الامن القضائي ودوره في تحقيق التنمية

الامن القضائي ودوره في تحقيق التنمية 

مقــــدمـــة

لقد أوضحت التجربة وبينت جليا أن مصلحة الأفراد والجماعات لا تكمن فقط في سن القوانين أو النصوص التنظيمية للقول بوجوب الانصياع لها وفرض تطبيقها بتبرير وجود دولة الحق والقانون، بل إن الأمر يتعدى ذلك ويتطلب بالإضافة إلى النصوص التشريعية والتنظيمية المحكمة والمستجيبة للمصالح الاجتماعية والاقتصادية تحقيق ما يسمى بالأمن القضائي .
هذا الاخير يتجلى في توفير الاطمئنان للمتقاضين لدى المؤسسة القضائية، وهذا لا يتأتى إلا بالرقي بمستوى الخدمات التي يؤديها من خلال جودة الأداء واستقرار الاجتهاد والعمل القضائيين بما يتوازن وروح التشريع وتحقيق العدل بين مكونات المجتمع، ولا يختلف لديه في ذلك الأفراد أو الجماعات والأشخاص المعنوية أو الإدارة والمؤسسات العمومية، إذ أن الأمن القضائي يعتبر حقيقة ملاذا للكل لدرء تعسف البعض وطغيانه.
كما أثبتت التجارب الإنسانية العالمية أنه مهما وضعت النصوص القانونية الملائمة فإنها تبقى دائما قاصرة عن إيجاد الحلول لكل النوازل والقضايا، لأنها تبقى أولا من صنع البشر المتسم بطبيعته بالنقص، ولأنها – أي النصوص- تتناهى باعتبار عددها، علما ان الوقائع لا تتناهى من حيث دلالاتها فيبقى الملاذ إذن هو القضاء لتدبر هاته الوقائع اللا متناهية والاجتهاد الخلاق في إيجاد حلول لها.
وعليه فانه لتوفير الأمن القضائي ينبغي تأهيل مهنييه، كما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش والذي جاء فيه ” يتعين على الجميع التجند لتحقيق إصلاح شمولي للقضاء لتعزيز استقلاله الذي نحن له ضامنون، هدفنا ترسيخ الثقة في العدالة وضمان الأمن القضائي الذي يمر عبر الأهلية المهنية والنزاهة والاستقامة وسيلتنا صيانة حرمة القضاء وأخلاقياته ومواصلة تحديثه وتأهيله…”
وبالتالي فان الامن القضائي يعتبر احدى الوظائف الاساسية للدولة، هذا الاخير له دور فعال في حماية الحقوق واستقرار المعاملات والتحفيز على الاستثمار من اجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث اولى المشرع المغربي عناية خاصة للجهاز القضائي، وذلك بجعله كسلطة مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية ، والتي تعتبر من اولى الخطوات لتحقيق الامن القضائي .
إذا كان تاريخ المغرب قد أفرد للقضاء مكانة هامة ومحورية في ترسيخ وحدة الدولة والحفاظ على مقوماتها، وذلك بوجود سلطة قضائية مستقلة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني ودلالات، يكون هدفها خدمة المواطن وحماية حقوقه وحرياته وأمنه القضائي والتطبيق العادل للقانون .
حيث أصبحت حقوقا دستورية لفائدة المواطن والتزاما يقع على عاتق القضاء أداؤه وتنفيذه على أحسن وجه، وفي هذا السياق فإن أهمية المرحلة التي يعرفها المغرب بعدما أصبحت الوثيقة الدستورية الجديدة سارية المفعول بعد استنفاد كافة الآليات القانونية والديمقراطية وإتباع منهج تشاركي تشاوري سواء في اقتراحها أو إعدادها أو بلورتها ومن ثم نشرها في الجريدة الرسمية، تفرض علينا الآن إنزالها إلى أرض الواقع وتفعيلها ليحس المواطن والمتقاضي بآثارها الملموسة على أمنه القضائي. هذا التفعيل الإيجابي يقتضي منا تحليل الموضوع من كافة جوانبه المتشعبة ومناهجه المتنوعة، إذ يحمل أبعادا قانونية وحقوقية واقتصادية واجتماعية ودينية وأخلاقية وسياسية، ويكتسي أبعادا وطنية ودولية ويطرح الكثير من المقاربات والمداخل ويفرض الكثير من التساؤلات والتصورات.

والحقيقة ان موضوع الامن القضائي هو من المواضيع التي تحتفظ براهنيتها الممتدة في الزمن المستقبل، فهو مقياس اصيل في بناء دولة الحق والقانون وسيادة ثقافة حقوق الانسان والحكامة الجيدة في تدبير الشان العام عموما والشان القضائي على وجه الخصوص، سيما وان معدل الثقة في القانون وفي جهاز العدالة اصبح يتراجع يوما بعد يوم وهو ما اثر سلبا على فرص الاستثمار الاجنبي ببلادنا باعتباره المعول عليه من اجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة . كل هذا يدفعنا الى التساؤل الى أي حد يلعب الامن القضائي دوره في تحقيق التنمية؟
للإجابة على هذا الإشكال سوف تعتمد على المنهجية التالية

المبحث الأول: دور القضاء في توفير الأمن.
المبحث الثاني: دور الأمن القضائي في تحقيق التنمية

المبحث الأول: دور القضاء في
توفير الأمن


إن للقضاء تأثير كبير على الأمن القضائي، فبقدر ما يكون ناجعا و متطورا بقدر ما يوفر ثقة كبيرة للمجتمع فيه و للفرد في اللجوء إليه لكي يسترد له حقوقه، و تتجلى نجاعة القضاء في مدى استقلاله و تحديثه، لكن من جهة أخرى نرى بأن اجتهاد القاضي في عمله يعطي صورة مباشرة للمتقاضي لمعرفة مدا نزاهته و حياده، لذلك سنحاول أن نتناول في هذا المبحث دور استقلال القضاء و تحديثه ( المطلب الأول) و دور الاجتهاد القضائي في تحقيق الأمن (المطلب الثاني)

المطلب الأول: دور استقلال القضاء و تحديثه في تحقيق الأمن القضائي

يعتبر مبدأ استقلال القضاء من الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، و معنى ذلك أن تصدر الأحكام عن سلطة قضائية مستقلة و محايدة و مشكلة بحكم القانون، و بالتالي فهو يعتبر رهانا قويا لتوفير أمن قضائي بجودة عالية للمترفقين – أي المترددين على مرفق القضاء -، و استقلال القضاء هو مبدأ دستوري و عالمي عملت جل الدساتير على الاخذ به.
كل هذا يدفعنا الى مناقشة دور استقلال السلطة القضائية في توفير الأمن ( الفقرة الأولى) و مسألة استقلال القاضي و نزاهته و دورهما في تحقيق الأمن القضائي ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: دور استقلال السلطة القضائية في توفير الأمن

يعتبر استقلال السلطة القضائية مبدءا عالميا نصت عليه مختلف الإتفاقيات و المواثيق الدولية، ووضعت له مبادئ، و المغرب بدوره تماشى مع السير العالمي لتكريس هذا المبدأ، حيث يقصد به – مبدأ استقلال السلطة القضائية -، استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية و التنفيذية، و يعتبر هذا المبدأ من النقط الفاصلة و المساهمة في إحساس الفرد و المجتمع بالثقة أثناء اللجوء إليه، لذلك جاء الدستور الجديد ليكرسه بقوة، من خلال الفصل 107 منه.
لذلك يعتبر أي تدخل في أعمالها يشكل مساسا باستقلالها وفعلا معاقبا عليه، ومنع القضاة وهم يمارسون مهامهم من تلقي أي أوامر أو تعليمات ومن الخضوع لأي ضغوط كيفما كان شكلها أو مصدرها، وألزمهم بإحالة كل تهديد لاستقلالهم على المجلس الأعلى للسلطة القضائية تحت طائلة المساءلة والعقاب.
فترسيخا لمبدأ الاستقلال تم إذن إحداث مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتركيبة ووظائف جديدة مع فك ارتباطها إداريا وماليا عن وزارة العدل، انسجاما مع المعايير والمواثيق الدولية بخصوص استقلال السلطة القضائية التي تفرض على الدولة أن تكفل استقلال السلطة القضائية مؤسساتيا وماليا عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتلزم القضاء بالبت في القضايا المعروضة عليه وفقا للقانون دون تحيز وبعيدا عن أي قيود أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات.
و المقصود باستقلال السلطة القضائية ليس فقط قضاة الأحكام بل المقصود حتى قضاة النيابة العامة، بحيث أن المشرع الدستوري أوكل لقضاة النيابة العامة السهر على التطبيق السليم للقانون ترسيخا للعدالة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية للأفراد.
علما ان إحساس المجتمع بالثقة في المؤسسة القضائية رهين بإصلاحها و إبعادها عن أي تدخل خارجي الذي يمكن أن يضر بحقوق الناس و حرياتهم، و بالتالي فإن ذلك لن يتأتى إلا بإرادة حقيقة وواعية بأن استقلال السلطة القضائية هو من بين الخطوات لبناء دولة الحق و القانون و توفير الأمن القضائي.

الفقرة الثانية: تحديث القضاء وتطويره لتوفير الأمن

يعتبر تحديث القضاء و تطويره إحدى أهم أوراش الإصلاح القضائي، فمن خلال الدراسات الأخيرة في الموضوع تبين أن المؤسسة القضائية لا ترقى إلى المستوى المطلوب، و بالتالي فهو يعيق رحى التنمية الاقتصادية و الاجتماعية.
وعليه فإن جودة و فعالية العمل القضائي رهينة بنوعية الوسائل و المناهج المتبعة من قبل القاضي، و من بين هذه الوسائل المواد القانونية التي يعتمدها في الفصل في القضايا، و بالتالي فإن الأمن القضائي لن يتأتى إلا باستعمال المادة القضائية بطريقة سليمة.
ومهما يكن من امر، فان مهمة القضاء هي السهر على التطبيق السليم للقانون، لدى فهو ينقل القاعدة القانونية من حالة السكون إلى الحركة ، لكن هذا التطبيق المنشود رهين بسلامة الترسان القانونية، و من خلال اطلاعنا على القواعد القانونية المغربية، نجد أن المغرب يمشي في الإتجاه الصحيح لتوفير الأمن القضائي.
فلكي يمنح المشرع قضاء فعالا وذا جودة عالية، عمل – المشرع المغربي- على إدخال مجموع من التعديلات على القوانين، تتعلق هذه الأخيرة بقانون الشركات و مدونة التجارة ومدونة التأمينات و قانون حرية الأسعار و، مدونة الأسرة، و مدونة الشغل، و المساطر الجنائية و المدنية، و القانون الجنائي و المدني، و غيرها من القوانين.
أما على المستوى العمودي للقضاء، فقد سهر المشرع على اعتماد مبدأ التخصص في الفصل في القضايا، فقد تم إحداث محاكم إدارية و تجارية و محاكم استئناف إدارية و تجارية، و أقسام لقضاء الأسرة وقضاء القرب.
كذلك، لمواجهة ظاهرة البطء التي يسير بها العمل القضائي، أدخلت و زارة العدل نظام المعلوميات لمختلف المحاكم قصد الإنفتاح على قضاء العالم و القوانين المقارنة، كل ذلك من أجل مواكبة المرحلة و تحديث الآلة القانونية للقاضي لكي يوظفها في عمله، تحقيقا للأمن القضائي المنشود و بالجودة المطلوبة.

المطلب الثاني : ظاهرة تحولات الاجتهاد القضائي و انعكاسها على الأمن القضائي

تأسيسا على الدستور الجديد الذي شكل طفرة نوعية في مجال حقوق الإنسان، بتكريسه للحق في الأمن القضائي ، بخلاف التشريع المقارن فالدستور الفرنسي الحالي لا يشير مطلقا إلى الحق في الأمن القانوني أو القضائي، مما دفع المجلس الدستوري إلى رفض اعتبار الأمن القانوني مبدأ دستوريا قائم الذات، و إنما اعتبره مجرد معيار ضمني لمراقبة دستورية القوانين.
و بالرجوع للدستور المغربي نجد الفصل 110 من الدستور نص على أنه “لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون” .
فإن تطبيق مبدأ دولة الحق و القانون يفرض على المجتمعات أن تضمن الاستقرار و عدم التراجع عن القواعد التي تم الاعتراف بها داخلها، وهو أمر ينطبق على جميع مؤسساتها بما فيها القضاء. فاعتماد تفسير موحد للقانون من طرف القضاة هو عنصر من عناصر استتباب الأمن داخل الدولة، فبفضله يمكن للمتقاضين توقع نتيجة أفعالهم، بمنأى عن كل تعسف.
حيث يستشف أن ظاهرة التحولات الطارئة على الاجتهاد القضائي تعتبر جزءا لا يتجزأ من حياة القضاء، وعلامة على تلاؤمه مع الواقع وعدم تخلفه عن ركب التطور، إلا أنها تشكل خطرا حقيقيا على الأمن القضائي. وانطلاقا مما أشرنا إليه سنحاول إبراز مدى تأثير السلبي لتحولات الاجتهاد القضائي على الأمن القضائي (الفقرة الأولى) ثم السبيل لمعالجة هذا التأثير(الفقرة الثانية ) .

الفقرة الأولى : مدى تأثير السلبي لظاهرة تحولات الاجتهاد القضائي على ضمان الأمنالقضائي

من المؤكد أن تحولات الاجتهاد القضائي بصرف النظر عن مسبباتها و شرعيتها من شأنها أن تخلق جوا من الاضطراب و عدم الاستقرار، و عدم الشفافية في تطبيق القاعدة القانونية، كما أنها تجهز على الثقة المشروعة للمواطن، و التي تولدت لديه في سياق استتباب الأوضاع القانونية التي أجرى تصرفاته في ظلها، و الأخطر من ذلك أنها قد تسطو في غفلة منه ودون توقعه على حقوقه المكتسبة في ظل الاجتهاد السابق .
فالاجتهاد القضائي الجديد يطبق بقوة القانون و بأثر رجعي على جميع ما كان بإمكان الأشخاص القيام به أو الامتناع عنه استنادا لنص و روح الاجتهاد القضائي القديم .
و حتى مع اعتبار أن القرار القضائي موضوع الاجتهاد الجديد دعوى لا يهم سوى أطرافه وفق مبدأ نسبية الأحكام، فإن رجعية الاجتهاد القضائي تشمل الجميع، أطراف الدعوى أو غيرهم، ذلك أن مفعول الاجتهاد القضائي الجديد يسري عليهم بشكل غير مباشر و يخالف توقعاتهم ومبادراتهم، بل إنهم قد يتعرضون للجزاء دون تنبيه أو إخطار من أجل فعل أو امتناع لم يكن غير شرعي وقت اقترافه.
حيث أن قواعد الاجتهاد القضائي الثابتة و المستقرة تمنح الفاعلين مع مرور الوقت رؤية واضحة و إطار لتصرفاتهم، بينما تحولات الاجتهاد القضائي ورجعيته تؤثر سلبا على هذا النظام .
وقد عبر الفقه بقوله أن” تحول الاجتهاد يترتب عنه عدم الأمن القانوني، فالحل الجديد الناتج عن التحول يطبق بقوة القانون على القضايا التي ارتبطت على ضوء الثقة في الحل القديم ” .
و يمكن القول أن المشرع عندما وضع مبدأ عدم رجعية القوانين لم يضع مبدأ لعدم رجعية الاجتهاد القضائي، ربما يمكن تبرير ذلك أنه لم يكن واعيا حينها للاجتهاد القضائي من قيمة قانونية و ما لتحوله من أثر على الأوضاع القانونية .
ولإبراز أهمية تحولات الاجتهاد على المراكز القانونية للخصوم في الدعوى و إطارها القانوني سنورد بعض النماذج من العمل القضائي :
قرار المجلس الأعلى ،”أتاح لمن تجاوز أرضه إلى أرض غيره ولو كانت عقارا محفظا وبنى فيها بحسن نية أن يمتلك هذا البناء استنادا لحكم المحكمة التي يحق لها في إطار تطبيقها للقاعدة الفقهية بإزالة الضرر أن توازن بين الضررين اللذين التقيا، وهما الضرر الذي سيحصل للباني من جراء هدم ما بناه في ملك الغير ، و الضرر الذي سيحصل للمالك بسبب تخليه دون إرادته عن جزء من ملكه مقابل حصوله على تعويض بالقيمة، و أن تقرر تغليب أخفهما، وهو ما يفيذ ضمنيا إجبار مالك العقار على التخلي عن ملكه بمقتضى حكم نهائي، في حين أن الاجتهاد القضائي المستقر أن البناء في ملك الغير لا يخول للباني ولو كان حسن النية حق تملك البناء أو العقار الذي بني فيه ” .
نلمس من القرار أن الأوضاع و المراكز القانونية القائمة قبل الاجتهاد القضائي يطرأ عليها بفعله و بصورة فجائية تغيير جذري و حاسم، بل الأكثر من ذلك أن تحول الاجتهاد القضائي في مجال القضاء الجنائي يمس في الصميم مبدأ شرعية الجرائم، والذي بمقتضاه يوكل للسلطة التشريعية و حدها تحديد صور السلوك المعاقب عليه .

الفقرة الثانية : سبل معالجة التأثير السلبي لتحولات الاجتهاد على ضمان الأمن القضائي

استنادا لما أقرت محكمة النقض الفرنسية ، بقولها ” إن متطلبات الأمن القانوني و حماية الثقة المشروعة المثارين من طرف الطاعن في وسيلة النقض للمنازعة في تطبيق المحكمة المطعون في قرارها لاجتهاد قضائي جديد يحد من حقه في التقاضي، ليس من شأنها تكريس حق مكسب لاجتهاد قضائي جامد وغير متحرك، والذي يبقى تطويره من صميم و ظيفة القاضي في تطبيقه للقانون “.
و رأينا أنه يمكن تبرير ذلك إلى حد ما، بما جاء في تعبير سابق، لكن يجب أن نسجل أن الاجتهاد القضائي و تحوله يطبقان بأثر رجعي، وهذه الرجعية من شأنها المساس بالأمن القانوني و القضائي و الإضرار بالحقوق المكتسبة ، و الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون و القضاء .
ونؤكد في هذا السياق على أن الاجتهاد القضائي لا يعتبر محايدا بالمرة، و اعتبار الاجتهاد القضائي لا يخلق القاعدة القانونية، و إنما هو مجرد تفسير بريء لها ، و أن تحولاته ماهي إلا فهم جديد لمعنى قائم في النص القانوني وقت إنشائه ، لن يحقق لنا العدالة القانونية .
وينبغي الانطلاق مما جاء به الدستور الجديد بتكريسه الحق الدستوري في الأمن القضائي، بتحقيق ضمان الأمن القضائي بالحفاظ على الأوضاع القانونية القائمة و تجنب الحكم عليها بأثر رجعي، وعند الاقتضاء وضع مقتضيات انتقالية للقاعدة الاجتهادية حتى يتمكن الشخص من ملائمة تصرفاته وفقها .
كذلك نجد أن القضاء المقارن اعتمد تقنيات متنوعة لتخفيف من حدة تحول الاجتهاد القضائي و فجائيته، ففي انجلترا توجد تقنية overruling وتقنية obiter dictum ، أما في فرنسا أبدت محكمة النقض انشغالا بالتحولات العديدة لاجتهادها و أحدثت فريق عمل للتفكير في إمكانية سن قانون انتقالي لتحولات الاجتهاد القضائي في خلق القاعدة القانونية، إلا أنه لم يوص بسنه، مالم يتم الاعتراف رسميا بدور الاجتهاد القضائي في خلق القاعدة القانونية، لكن بالمقابل أوصى بأن تعمد التشكيلات القضائية الموسعة بمحكمة النقض إلى إقرار مبادئ بهذا الشأن، وهذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية بتفعيلها بمقتضى قرارها الذي جاء فيه” يمكن تقييد الأثر الرجعي للقاعدة الاجتهادية إذا كان من شأنه حرمان الشخص من الحق في محاكمة عادلة طبقا لمدلول الفصل 6 من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية “، ويمكن القول هنا أن تقييد الأثر الرجعي للاجتهاد القضائي الجديد لم يأت بمناسبة تطبيق قانون وطني، وإنما أتى احتكاما لقانون دولي مما يبين محدوديته .
وعلى المستوى الوطني أحدث المجلس الأعلى سنة 2010 هيئة لليقظة القانونية تحت تسمية ” مرصد الاجتهاد القضائي ” انكبت في بداية عملها على معالجة ظاهرة تضارب الاجتهاد القضائي عن طريق التنسيق والتواصل بين الهيئات القضائية المتعددة داخله و التي بلغ عددها 27، ويعول عليه مستقبلا لرصد و دراسة باقي أوضاع الاجتهاد القضائي و تأثيره على المستويين القانوني و الاجتماعي .
ونأمل بمثل هذا النوع من التوجهات الجديدة، و الضوابط المسطرية و غيرها من الضوابط الموضوعية التي يمكن لها التخفيف من الآثار السلبية لتحولات الاجتهاد القضائي مما يضمن حقوق الأشخاص و تحقيق الأمن القضائي .

المبحث الثاني: دور الأمن القضائي في تحقيق التنمية

يعتبر الأمن القضائي مجالا خصبا في تحقيق التنمية الإقتصادية و الإجتماعية، بحيث هناك مجموعة من العوامل التي كان لها دور كبير في الاستثمار و واستقطابه بدءا بالاستقرار السياسي مرورا بالانفتاح الاقتصادي، و الحقيقة أن الدول اليوم تراهن على الاستثمار من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، و ذلك من خلال توفير مناخ ملائم يتجلى في الأمن القضائي، هذا الأخير عمل المشرع المغربي على إدخال جملة من التعديلات عليه، همت بالأساس مبدأ استقلال السلطة القضائية، مما يدفعنا إلى التساؤل عن الدور الذي قد يلعبه الأمن القضائي في مجال الإستثمار و استقطابه ( المطلب الأول) ثم دور الأمن القضائي في تحقيق التنمية الإجتماعية ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: دورالأمن القضائي في تحقيق الإستثمار و استقطابه

اعتبارا إلى الدور الذي يلعبه المغرب في مجال حقوق الإنسان و ذلك بانخراطه في مجموعة الاتفاقيات و المعاهدات الدولية بمختلف أشكالها، مما ساهم في العمل على إحداث محاكم مختصة تماشيا مع القوانين الدولية ( الفقرة الأولى) وكذلك مسألة الأزمة التي يعرفها الأمن القضائي في ميدان الأعمال(الفقرة الثانية )

الفقرة الأولى: دور المحاكم المتخصصة في جلب الإستثمار

لقد كان للمحاكم المختصة دور كبير في جلب الاستثمار، بحيث ثم إحداث محاكم إدارية و محاكم استئناف إدارية و محاكم تجارية و محاكم استئناف تجارية، و غني عن البيان أن الدور الذي أصبحت تلعبه المحاكم المختصة عموما و المحاكم التجارية على وجه الخصوص في الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و ذلك من خلال الضمانات التي تمنحها هذه المحاكم على مستوى فض المنازعات المعروضة عليها والتي تتسم بالسرعة و الفعالية و الاحترافية، لأن مجال المال و الأعمال من الأمور التي تعرف نوع من الحركية و السرعة في التداول.
علما أن عدد المحاكم الابتدائية التجارية في المغرب هو 7 محاكم ، موزعين بين الرباط و الدار البيضاء، فاس، مراكش، طنجة، مكناس، أكادير، أما محاكم الاستئناف التجارية لم يتجاوز عددها ثلاث محاكم متواجدة في كل من الدار البيضاء، فاس، مراكش، على أن النقض في الأحكام التي تصدر من طرف هذه المحاكم يتم على مستوى الغرفة التجارية لمحكمة النقض.
و عليه، يرى جانب من الفقه أن المشرع المغربي لم يكن موفقا في التقسيم الذي خص به المحاكم التجارية، بحيث لم يكن منسجما مع عدد الجهات الاقتصادية بالمملكة، كما تم تهميش المركز على حساب الجهة على مستوى المحاكم التجارية بالدار البيضاء، و هو ما أدى إلى تمركز الاستثمار في مناطق دون أخرى كالقطب الإقتصادي ( الدار البيضاء – طنجة – أكادير) ما انعكس على التنمية الاجتماعية في المناطق المهمشة كان من نتائجها ارتفاع نسبة البطالة و ارتفاع نسبة الجريمة.
و تجدر الإشارة إلى أن المحاكم التجارية على مختلف درجاتها لا تساهم فقط في جلب الاستثمار و استقطابه، و إنما تلعب دورا مهما في تثبيته من خلال اختصاصها الأصيل في مادة صعوبة المقاولة، و إن لم تشر إليه صراحة المادة 5 من القانون المحدث للمحاكم التجارية و الخاصة بالاختصاص النوعي، علما أن العديد من المقاولات اتجهت نحو التصفية القضائية لا سيما في قطاع النسيج، سواء المقاولات الوطنية التي لم تقوى على التنافسية أو المقاولات الأجنبية التي ذهبت تبحث عن فضاءات اقتصادية واعدة و أكثر تحفيزا كما في تركيا و دول أوربا الشرقية سابقا، بعد أن حققت أرباحا استطاعت في ظل اقتصاد السوق تحويلها إلى بلدانها بكل يسر، و النتيجة هي آلاف العاطلين الجدد ينظمون إلى جيوش العاطلين من الشباب القادر عن العمل، مما أدى إلى فقد الثقة في سياسة الحكومة التي تراهن على القطاع الخاص في الرفع من مؤشر التنمية ببلادنا عن طريق الإستثمار .
ورغم الدور الذي أصبحت تلعبه المحاكم التجارية على مستوى فض المنازعات التجارية، فإن منازعات الاستثمار لا زالت يتم فضها خارج مؤسسات القضاء بالاعتماد على التحكيم و التوفيق و المصالحة التي تشكل بدائل حقيقية لحل المنازعات خارج مؤسسات القضاء، فهل هذا يعني أن الأمن القضائي في ميدان الأعمال لا زال يعيش أزمة تكون عائقا في التنمية بالرغم من وجود محاكم تجارية مختصة؟

الفقرة الثانية : أزمة الأمن القضائي في ميدان الأعمال و كيفية تدبيرها

لقد عمل المشرع المغربي في نزاعات عقود التجارة و الاستثمار، على وضع ترسانة قانونية لفضها سواء على مستوى القضاء المغربي أو اعتماد الوسائل البديلة ، فإن نزاعات عقود التجارة الدولية و الاستثمار الأجنيي في المغرب لا زالت تعرف مجموعة من المعيقات، سواء على مستوى القانون الواجب التطبيق أو على مستوى الاختصاص القضائي .
ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن المستثمر الأجنبي يعلل نفوره من تطبيق القانون المغربي ومن الاختصاص القضائي الوطني بضعف الأمناء القانونيين، وعدم الاطمئنان لهما بسبب تفشي ظاهرة الرشوة والبيروقراطية، وانعدام الاحترافية، هذا فضلا عن اختلاف العائلات القانونية ، وهو لذلك وبالنظر لمركزه القوي كمستثمر يفرض شروطه التي غالبا ما ترتكز على اعتبار قانون بلده سواء المسطري أو الموضوعي و الذي يكون هو الواجب التطبيق لأنه يجد في عدالة بلده من الحماية مالا يجدها في غيره .
وفي ظل الأزمة التي خلقتها الروابط العقدية الدولية على مستوى تنازع القوانين و الاختصاص القضائي ، اهتدى الفكر البشري إلى حل النزاع خارج مؤسسة القضاء بالاعتماد مثلا على التحكيم أو الوساطة أو التوفيق .
كل هذا إن دل على شيء فإنما يدل كما سبق بيانه على أن الروابط العقدية الدولية سواء تعلق الأمر بعقود التجارة الدولية أو عقود الاستثمار أو عقود الأحوال الشخصية التي يكون أحد أطرافها عنصر أجنبي من الصعب الحسم فيها ولو في ظل وجود قواعد قانونية من قبيل قواعد قانون الدولي الخاص، أو وجود اتفاقيات ثنائية دولية خاصة بالتعاون القضائي كما هو الحال مع فرنسا و بلجيكا، وهو ما خلق أزمة تعرف بأزمة القانون الدولي الخااص الناتجة بالأساس عن اختلاف الأنظمة القانونية عبر العالم، و هو ما أصبحت تهتم بالحد منه بعض المعاهدات الدولية ، حيث أصبحت ترتكز على التقريب بين العائلات القانونية الرومانية الجرمانية و الأنكلوسكسونية، بهدف عولمة الفكر القانوني كإحدى الآثار المباشرة لعولمة الاقتصاد الذي تتزعمه الولايات المتحدة الامريكية باعتبارها رائدة الاقتصاد الليبرالي الحديث .
أما على مستوى التشريع الوطني و الذي هو بدوره يعاني من غياب مقتضيات تهم التحكيم التجاري الدولي الأمر الذي كان يشكل إحدى المعيقات التي تحول دون استثمار الأجنبي ببلادنا، مما يعيق التنمية في هذا البلد، إلا أنه تم تدارك هذا الفراغ التشريعي من خلال الإضافة التي تمت على مستوى قانون المسطرة المدنية حيث أصبح تشريعنا الوطني يتضمن مقتضيات تخص التحكيم التجاري الداخلي و أخرى تعنى بالتحكيم التجاري الدولي، و يتعلق الأمر بقانون 08.05 و الذي تأثر فيه المشرع المغربي فضلا عن جده الفرنسي باتفاقية نيويورك لسنة 1958، وكذلك القانون النموذجي لتحكيم الصادر عن اليونسترال ، وكذلك بعض بنود اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار لسنة 1965 ، مما عزز الأمن القضائي ببلادنا ليكون حافزا للمستثمر الوطني و الأجنبي من أجل الاستثمار الذي يبقى المعول عليه بالدرجة الأولى في تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية المستدامة .

المطلب الثاني : دور الأمن القضائي في التنمية الاجتماعية

لا طالما كانت ، ولا زالت المجتمعات تقاس تنميتها الاجتماعية اعتمادا على منظومتها القضائية بحيث كلما كانت المؤسسة القضائية مستقلة و نزيهة، كانت التنمية الاجتماعية فعالة و مستدامة، تكفي حاجيات ساكنتها، و كلما كانت المؤسسة القضائية لا تراعي و لا تحترم حقوق الأفراد، وذلك من خلال الأحكام و القرارت التي تصدرها و التي تكون مشوبة بعيب من العيوب مما ينعكس سلبا على التنمية على اعتبار أن الفرد هو أساس المجتمع، ولا يمكن تطور مجتمع بدون أفراد كما لا يمكن استمرارهم إذا لم تكن هناك تنمية، انطلاقا من الأسرة (الفقرة الأولى ) ثم مدى أثر الأمن القضائي في علاقات الشغل (الفقرة الثانية ) .

الفقرة الأولى : دور الأمن القضائي في مجال الأسرة

ولئن كانت الأسرة هي الخلية الرئيسية التي تنشأ لنا أجيال الغد، فإن المشرع المغربي حاول قدر المستطاع أن يركز اهتمامه مؤخرا على توفير مناخ ملائم للأسرة، وذلك من خلال إحداث أقسام للأسرة تابعة للمحاكم الابتدائية بعد أن كانت تدخل ضمن الولاية العامة للمحاكم الابتدائية، حيث تزامن ذلك مع التعديل الذي عرفته مدونة الأحوال الشخصية و التي حلت محلها مدونة الأسرة، حيث تم إنشاء قضاء أسري متطور و متخصص، القصد منه حماية الأسرة المغربية، بجميع مكوناتها بما في ذلك الزوج و الزوجة و الأطفال، علما أن الأسرة تعد في صلب التنمية الاجتماعية، وعليه فإنها المستهدف الرئيسي في مجال الروابط الأسرية، بحيث لم تكن لترى النور لولا الإرادة الملكية السامية و التي كان القصد منها إعادة التوازن لأسرة المغربية، و جعلها تنخرط بكل مكوناتها في التنمية بعدما أبانت الدراسات المنجزة في الموضوع أن جزءا مهما من هذه الأسرة (المرأة) كان مهمشا وغائبا في مجال التنمية وهو ما اشتغلت عليه كتابة الدولة المكلفة بالرعاية الاجتماعية و الأسرة و الطفولة من خلال ما عرف وقتها بالخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية .

الفقرة الثانية: الامن القضائي وعلاقته بالشغل

لقد ظل الشغل ولأمد طويل يعرف نقاشا فقهيا وقضائيا نظرا لما يمتاز به من اهمية بالغة بعتباره احد اسباب خلق الثروة وسد الحاجيات بالنسبة للأجير والمشغل باعتبارهما من مكونات المجتمع، وبالنظر الى كون علاقتهما ذات طبيعة خاصة تمتاز برجحان كفة المشغل في اغلب الحالات على كفة الاجير، كان لابد من تاطير علاقتهما بنصوص قانونية تراعي خصوصيات هذه العلاقة، خاصة بعد ان تبين ان المشغلين كانو يفرضون ما شاؤوا من الشروط على الطبقة العاملة، مما دفعهم الى التكتل في تجمعات مهنية للدفاع عن حقوقهم، وكان من نتائجها تدخل الدولة منذ اواسط القرن التاسع عشر لتنظيم هذه العلاقة بموجب قواعد قانونية والمتمثلة في قانون الشغل ، من اجل توفير ارضية للعمل خالية من النزاعات والصراعات من اجل تشجيع الاستثمار والتنمية والتشغيل .
كما ان القضاء ظل وفيا في توفير الامن القضائي لاطراف العلاقة الشغلية سيما في جانبها الفردي، علما ان حل خلافات الشغل الجماعية لها طرق تسويو اخرى تتم خارج مؤسسة القضاء بالاعتماد على المصالحة والتحكيم .
وعليه فان القضاء لعب ولا يزال ياعب دور مهما في استقرار علاقات الشغل الفردية من خلال الرقابة التي يمارسها على سلطة المشغل الائتمارية – الاشراف والتوجيه – والتدبيرية والتاديبية، حيث تتجلى مظاهر الامن القضائي بوضوح في هذا المجال عندما يكون الاجير محقا في الاستماع اليه داخل الاجل القانوني بحضور الممثل النقابي ومندوب الاجراء ان وجدو قبل تسليمه مقرر الفصل ولو تعلق الامر بخطا جسيم، وان عدم احترام المشغل لهذه الشكلية الجوهرية والمقررة في الفصول 62 و 63 من مدونة الشغل المغربية يجعل الفصل تعسفيا يستلزم اما الحكم بالرجوع الى العمل او الحكم بالتعويض حسب ما تراه المحكمة مناسبا .
ومن مظاهر الامن القضائي كذلك في علاقات الشغل الفردية اعادة تكييف المحكمة لطبيعة العقد الذي يجمع الاجير والمشغل، ذلك ان الاجير عادة ما يدعي كون العقد هو عقد شغل محدد المدة ليس الا، وان كان القضاء اليوم في اطار التمييز بين عقد الشغل المحدد المدة وغير المحدد المدة لا يعتمد على الوصف الذي اضفاه المتعاقدان على العلاقة العقدية وانما على طبيعة العمل المنجز، علما ان العمل القضائي لا يتجسد عمليا الا بتنفيذ الاحكام القضائية بعد ان تصبح حائزة لقوة الشئ المقضي بها.
ومهما يكن من امر فان عدم الثقة في القضاء والتشكيك في عدم قدرته على توفير الامن القضائي اللازم يقاس كذلك من خلال تعثر عملية تنفيذ الاحكام والقرارات القضائية، تلك العملية التي رصدت لها وزارة العدل والحريات امكانيات هامة لتخفبف من حدتها وهي تدخل ضمن الاولويات في السياسة الاصلاحية العامة للقضاء .

خـاتـــــمة

سيظل أمر الامن القضائي ‬يشغل بال الرأي‮ ‬العام ببلادنا لكونه احدى الركائز الاساسية في المغرب، وباعتبار المغرب دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات وذلك عبر ‬وتطوره كسلطة مؤسساتية دستورية،‮ ‬تنبني‮ ‬عليها أسس العدالة،‮ ‬التي‮ ‬توفر الأمن والاستقرار،‮ ‬وتعطي‮ ‬الضمانة القوية لحقوق المواطنين وواجباتهم،‮ ‬وتقوي‮ ‬المؤسسات العامة والخاصة،‮ ‬وتوفر المناخ الملائم للازدهار الاقتصادي‮ ‬والاجتماعي من اجل تحقيق التنمية المنشودة التي يراهن عليها المغرب،‮ ‬وذلك من خلال التشجيع على الاستثمار،‮ ‬وجلب المشاريع،‮ ‬التي‮ ‬تفتح الآفاق الواسعة لسوق الشغل للعاملين،‮ ‬وتوظيف الأطر والكفاءات لحاملي‮ ‬الشهادات‭.‬
‬والقضاء وحده من‮ ‬يرعى حماية هذه المجالات حينما‮ ‬يختل توازنها الطبيعي،‮ ‬فيتدخل ليكون عادلا في‮ ‬حكمه،‮ ‬قويا في‮ ‬قراره،‮ ‬صائبا في‮ ‬نصوصه القانونية،‮ ‬سريعا في‮ ‬تنفيذ مقرراته‮.‬
إن قضاء اليوم المنفتح على كل الواجهات لم بيق هو قضاء الأمس المنغلق على نفسه‮. ‬قضاء اليوم قضاء واسع،‮ ‬أصبحت له مسؤوليات متعددة بتعدد اختصاصاته،‮ ‬سواء في‮ ‬الميدان الجنائي،‮ ‬الذي‮ ‬كثرت شعبه أمام كثرة الجرائم المرتبطة به،‮ ‬والحاصلة من الأفراد،‮ ‬أو المؤسسات تتضخم بشكل خطير‮ ‬يوما بعد‮ ‬يوم،‮ ‬بتضخم الجريمة المعاصرة التي‮ ‬أصبحت لها مدارس متخصصة،‮ ‬تتطلب نوعا من المعالجة النفسية،‮ ‬والإنسانية لردعها أكثر من المعالجة العقابية التي‮ ‬أبانت كل الدراسات الجنائية العالمية عن عدم جدواها وحدها،‮ ‬أو في‮ ‬الميدان المدني،‮ ‬الذي‮ ‬هو الآخر توسعت دائرة نزاعاته،‮ ‬في‮ ‬كل المعاملات،‮ ‬خصوصا حينما انخرط في‮ ‬الالتزامات الدولية،‮ ‬التي‮ ‬صارت تتخذ أشكالا وأنماطا من الارتباطات،‮ ‬والتعهدات بين جنسيات مختلفة بحكم تأسيس الشركات المدنية،‮ ‬وتنشيط سوق العقارات،‮ ‬وشراء الأراضي،‮ ‬وما إلى ذلك من الأنشطة المواكبة لها،‮ ‬والتي‮ ‬تجري‮ ‬على أكثر من صعيد‭.‬
كما‮ ‬يواجه القضاء في‮ ‬الميدان التجاري‮ ‬قضايا شائكة محلية،‮ ‬ودولية بحكم النزاعات المطروحة،‮ ‬وبفعل المعاملات المالية،‮ ‬والتجارية التي‮ ‬أصبحت قطب الرحى في‮ ‬كل ميدان،‮ ‬حيث أضحت المحاكم التجارية،‮ ‬فاعلة قضائيا،‮ ‬محكوم عليها بالفصل السريع فيما‮ ‬يعرض عليها من القضايا ذات الصبغة التجارية بتعدداتها،‮ ‬وكثرة تشعباتها،‮ ‬سواء بين الأفراد،‮ ‬أو بين المؤسسات الوطنية‮ ‬،أو ذات الجنسيات المتعددة،‮ ‬أو المختلطة‮.‬
ورغم أن المغرب بذل قصارى الجهد لتحديث القوانين،‮ ‬وتفعيل النصوص حتى يكون هناك امن قضائي بالشكل المطلوب،‮ ‬وذلك من خلال إحداث المحاكم المتخصصة،‮ ‬وقطع أشواطا بعيدة للاندماج مع القوانين الدولية،‮ ‬وتطبيق الإتفاقيات التي‮ ‬وقع عليها،‮ ‬فإنه رغم الترسانة القانونية في‮ ‬المنظومة القضائية التي‮ ‬يشتغل عليها،‮ ‬فإن آليات تطبيقها وتنفيذها‮ ‬غير متوفرة،‮ ‬لغياب من جهة الوسائل التكنولوجية،‮ ‬والإلكترونية التي‮ ‬تساعد على تحديث العمل القضائي‮ ‬ببلادنا،‮ ‬بما‮ ‬يضمن له السرعة،‮ ‬والفعالية،‮ ‬وهي‮ ‬معوقات تعطي‮ ‬بعد آخر لتخلف القضاء عندنا،‮ ‬وعدم مسايرته بعد للجيل الجديد من الإصلاحات،‮ ‬التي‮ ‬يتطلبها،‮ ‬وفي‮ ‬مقدمتها التكوين،‮ ‬والتكوين الصالح للقضاة،‮ ‬لتأهيلهم لخطة القضاء على أرضية صلبة من التخصصات،‮ ‬التي‮ ‬تقوم اليوم على عمليات مدققة لها علاقة بقوانين فنية،‮ ‬وتقنية تتطلب وفرة المعلومات العلمية في‮ ‬مجال الأعمال والاستثمار،‮ ‬ودنيا القروض،‮ ‬وعالم التجارة من بابه الواسع.
وبدون ان يكون هناك امن قضائي لا‮ ‬يمكن لمناخ التنمية أن‮ ‬ينمو،‮ باعتباره المحرك الديناميكي‮ ‬الذي‮ ‬يضمن الحقوق،‮ ‬ويوفر الأمن،‮ ‬والأمان والاستقرار،‮ ‬وهذا ما‮ ‬يراهن عليه المغرب حالا،‮ ‬في‮ ‬إصلاح القضاء لتحقيق سرعة التنمية،‮ ‬ولمواجهة العولمة التي‮ ‬أصبحت قاب قوسين،‮ ‬أو أدنى‮ ‬،لتحتل العالم بنظرياتها،‮ ‬وتطبيقاتها،‮ ‬التي‮ ‬تراعي‮ ‬فيها مصالحها الذاتية،‮ ‬وليست مصالح الشعوب المستضعفة،‮ ‬أو النامية،‮ ‬والمغرب لا‮ ‬يريد أن‮ ‬يكون بلدا تابعا لهذه العولمة،‮ ‬بل متبوعا،‮ ‬ومقتدى به،‮ ‬إنه إذن رهاننا جميعا من أجل الحاضر والمستقبل‮.‬


الأحد، 2 أغسطس 2020

قراءة ‏في ‏واقعة ‏الاكباش ‏بالحي ‏الحسني ‏

لا "لحم الراس" ولا "بولفاف" ولا حتى "الكوطليط"، يمنعنا من العودة بشكل اضطراري إلى ما حدث عشية عيد الأضحى المبارك، من حالة فوضى وانفلات وسرقات كانت "رحبة" الحي الحسني مسرحا لها، في واحدة من المشاهد "غير المسبوقة''، التي كلما تم الوقوف عند مقطع فيديو يوثق لها بالصوت والصورة، كلما انتابنا إحساس أقوى في أن مشكلتنا ليست في جائحة "كورونا" التي كشفت بقساوة عن زلاتنا وهفواتنا وتناقضاتنا، بل في جائحـة "العبث" و"التهور" و"انعدام روح المسؤولية" و"الأنانية" و"التيهان" و"الانحطاط المرعب في القيم والأخلاق"، بشكل يجعلنا أمام مجتمع بقدر ما تحضر فيه مشاهد المواطنة والتضامن والمبادرات الرائدة، بقدر تتعايـش فيه مظاهر التمرد والانحراف والإجرام ...

ما تناقلته العديد من المواقع والجرائد الإلكترونية ومن صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، من حالة انفلات وفوضى عارمة ورشق للكسابة بالحجارة وسلبهم أرزاقهم بالقوق والعنف، ومن صور لأشخاص يهرولون يمينا وشمالا وهم يحملون ويجرون ما تحصلوا عليه من أكباش مسروقة، هي مشاهد تعطي الانطباع أن اللحظة خارج الزمن وخارج التمدن والتحضر وخارج سلطة القانون وخارج الدولة والمؤسسات وخارج القيم الوطنية والروحية والإنسانية، لحظة عصية على الفهم والإدراك، لا يمكن إدخالها إلا داخل زمرة "قانون الغاب" الذي لا يعترف بسلطة ولا بقانون وضعي ولا برحمة ولا بشفقة، إلا بسلطة الأمر الواقع والأنانية المفرطة والفوضى الكاسحة ...

قد يقول قائل أن ما حدث من فوضى وترامي على حقوق الغير، هو نتيجة حتمية للفقر والبــؤس، وقد يقول آخر، أن الحادثة، شكلت لحظة مجتمعية معبرة عن اللاعدالة الاجتماعية وعن التوزيع اللامتكافيء للثروات، وقد يقول ثالث، أن ما وقع من سرقات غريبة للأكباش، هو مظهر من مظاهر الجائحة الكورونية التي ما زالت تعبث بالبلاد والعباد، وقد يقول رابـع، أن واقعة "الرحبة" هي صرخة للفقر والهشاشة والحرمان والإقصاء، ومرآة عاكسة للمغرب "العميق" و"المنسي"، ولن نبادر في التيهان بين هذه الرؤى والتحاليل، ولن نهدر الزمن والطاقة والجهد في محاولة للشرح أو التفسير أو التبرير، تاركين المجال مفتوحا أمام علماء النفس والاجتماع والتاريخ والجغرافيا والإجرام والقانون، لإيجاد تفسير معقول ومنطقي لواقعة تفرض دق ناقوس الخطر...

لكن في ذات الآن، نرى أن ما حدث لا يمكن القبول به مهما بلغ التفسير مداه ومهما تجاوز التبرير منتهاه، لأن التمرد على القانون والاعتداء على الناس والترامي على حقوقهم وممتلكاتهم، هو أمر

مرفوض من الناحية القانونية والدينية والأخلاقية والإنسانية، ولا يمكن القبول به أو التطبيع معه تحت أي سبب أو مبرر حتى لو كان باسم الفقر والهشاشة والحرمان، وتزداد مشروعية الرفض والإدانة، لارتباط ما حصل بمناسبة عيد الأضحى المبارك، وما تحمله من أبعاد ودلالات وعبر بالنسبة للمسلم في علاقته بخالقه، وبمفهوم المخالفة، فأن يكد فلاح صغير طيلة موسم فلاحي ويتحمل قساوة الطبيعة وصعوبات العيش، متطلعا لمناسبة العيد، من أجل بيع ما يتحوز به من أكبـاش، سعيا وراء مدخول مالي، يدبر به معيشه اليومي ويسعفه في الاستعداد لموسم فلاحي جديد، وفي نهاية المطاف، "يتسلط" عليه شرذمة من العابثين والمتهورين والمتهاونين والمتواكلين، ويسلبونه رزقه بالقوة، فهذا فعل لا يمكن إلا رفضه وإدانته وزجره.

من يبرر ما حدث باسم الفقر والحرمان، فالفقر لم يكن أبدا مبررا للسطو على الحقوق و الترامي على الأرزاق والممتلكات، ولو أيدنا هذا الطرح، لكانت شرائح واسعة من المغاربة "الفقراء" من ذوي السوابق العدلية في سرقات الأغنام، ومن يربط حالة الانفلات بانعدام الأمن على مستوى "رحبة الأغنام" ، نقول له أن "حمى الفوضى" كانت أكبر من أن تتحكم فيها دورية للشرطة أو للقوات المساعدة أو ممثلين عن السلطة المحلية أو الإدارة الترابية، وإن كان ما حدث، لا يمنع من إثارة واقع أسواق الأغنام "الرحبات" وطرق تفويت صفقاتها وطرق تدبيرها وتأمينها، ومن يشرعن سرقة الأكباش باسم ارتفاع الأسعار، نقول أن أسواق المواشي (الرحبة) يتحكم فيها قانون العرض والطلب، فالكساب أو "الشناق" له كامل الحرية في تحديد الثمن الذي يناسبه أو يراه مناسبا، والمشتري له الحق في التفاوض أو "التشطار" بناء على إمكانياته المادية، كما له الحق في اقتناء الأضحية التي تتناسب وما يتحوز به من مبلغ مالي، وإذا ما بدت له الأثمنة فوق المتناول، بإمكانه أن يبحث عن رزقه (خروفه) في وجهة أخــرى، بل أكثر من ذلك، فيمكن له أن يتخلى عن شراء الأضحية إذا لم تكن له استطاعة مادية، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، في مناسبة دينية، يفترض أن يحضر فيها التضامن وتوزيع اللحوم على الفقراء والمحتاجين، أما اللجــوء إلى خيار السرقة والنهب والترامي على حقوق وأرزاق الغير للتقرب إلى الله، فهذا "انزلاق خطير" لا يقبله دين ولا قانون ولا قيم ولا أخـلاق، وأي تبرير له هو شرعنة لشريعة الغاب.

ما حدث من فوضى وانفلات وسرقات في "رحبة الحي الحسني" عشية عيد الأضحى، نضيف إليه ما شهدته بعض المدن من حوادث عنف وقتل في هذه الأيام المباركة، وما تم تسجيله في مدن أكادير وإنزكان ودشيرة، من اختراق حشود من المواطنين للتدابير الوقائية والاحترازية ذات الصلة بحالة الطوارئ الصحية، لمتابعة الاحتفال بتظاهرة "بيلماون" أو "بوجلود" ضاربين عرض الحائط ما صدر عن السلطان العمومية من قرارات وقائية واحترازية من ضمنها منع جميع التظاهرات الثقافية والفنية المستقطبة لجمهور غفير، وما تم تسجيله قبيل عيد الأضحى من عبث وفوضى في عدد من المحاور الطرقية عقب القرار المشترك لوزارتي الداخلية والصحة الذي منع السفر من وفي اتجاه عدد من المدن، في لحظة حضرت فيها الأنانية والمصلحة الخاصة، وغابت فيها مفردات الوقاية والاحتراز والالتزام والانضباط، كلها مشاهد من أخرى، عاكسة لممارسات مقلقة، لا تميز بين الحلال والحرام والممكن واللاممكن والحق والواجب والمسؤولية والتراخي والمصلحة العامة والمصلحة الخاصة والقانون والانفلات والالتزام والتسيب ...

ما حدث في الحي الحسني أو في مدن سوس أو في ليلة الهروب الكبير، هي ثقافة مجتمعية، لا يمكن فصلها عما يعتري الممارسة السياسية من عبث وتهور وفساد وانعدام المسؤولية ومن إقبال على الريع والمناصب والمكاسب، وما نعاينه في مواسم الانتخابات من فوضى وصراعات خفية ومعلنة، وما يتخلل تدبير الشأن العام والجهوي والمحلي من مظاهر الارتباك والاختلال والعبث في غياب تام لأي ربط للمسؤولية بالمحاسبة، وما أفرزته السياسات العمومية عبر سنوات من مشاهد الفقر والبؤس والهشاشة والتفاوتات السوسيومجالية، جعلت شرائح واسعة من المواطنين خارج نسق التنمية وأبعد ما يكون مما تتحقق خلال العقدين الأخيرين من منجزات ومكتسبات تنموية، وما يسجل من تراجع مقلق في أدوار الأحزاب السياسية التي اختزلت السياسة في الانتخابات وما تجود به الممارسة السياسية من كراسي ومناصب ومسؤوليات، وعليه، فمن سرق "الحولي" عشية العيد، ومن خرج محتفلا بتظاهرة "بوجلود" ومن مارس الفوضى والانفلات في "ليلة الهروب الكبير"، حاله كحال من يمارس العبث في السياسة والأحزاب والانتخابات، ومن يلهث بحثا عن الريع ومن يتربص بالكراسي والمناصب، ومن يختلس المال العام بدون حسيب أو رقيب ومن يتفنن في حلب الوطن، كلهم "شركاء" في الإساءة للوطن وكلهم "مساهمون" فعليون، في طعن الوطن وحرمانه من فرص النهوض والرقي والازدهار...

وكل هذه الصور والمشاهد وغيرها كثير، تستدعي "دق ناقوس الخطر"، لأن المستقبل يبدو مقلقا، في ظل ما نعاينه من ارتفاع منسوب العبث والتهور والتراخي، ومما نتلمسه من تراجع خطير في القيم الوطنية والدينية والإنسانية، وحادثة مؤسفة من قبيل "سرقة الأكباش"، لا يمكن المرور عليها مرور الكرام أو تجاوزها، أو طيها بإيقاف بعض المشتبه فيهم وتقديمهم أمام النيابة العامة المختصة، فهي أكبر من حالة فوضى وانفلات في "رحبة أغنام"، وأكبر من جريمة سرقة تستحق ما يناسبها من زجر وعقاب، هي واقعة، بقدر ما تسائل الاختلالات التنموية واتساع نطاقات البؤس الاجتماعي وطرق تدبير الشأن الجهوي والمحلي، بقدر ما تسائل منظومة التربية والتكوين القائمة، كما تسائل مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تراجع دورها، والأحزاب السياسية التي لم تعد تضطلع بأدوارها التأطيرية والتربوية عدا "الانتخابات"...، هي درس جادت به جائحة "كورونا"، يستدعي أولا، استحضار وتقدير خطورة ممارسات من هذا القبيل على النظام العام وعلى التماسك المجتمعي، ويستدعي ثانيا، تجاوز سياسة "قولو العام زين" بقول الحقيقة بمسؤولية وتجرد ومصداقية وحياد، بعيدا عن ثقافة "الماكياج" ولغة الأرقام الكاذبة والخادعة، والرهان على بناء الإنسان لا البنيان وعلى البشر لا الحجر، وهذا لن يتحقق، إلا في ظل تعليم عصري ناجع عادل وفعال، يبني الإنسان/المواطن الذي يتحلى بقيم المواطنة والمسؤولية والانضباط والالتزام ونكران الذات والتضحية واستحضار المصلحة العامة .. فكفى من سياسة "التطبيل" و"التصفيق" والرقص على "قعدة" الأرقام الخادعة، فوجه الوطن سئم "الرتوشات" وضاق ذرعا من "مساحيق التجميل" التي لايمكنها قطعا، إخفاء جروح الحقيقة المرة .. لك الله يا وطن

السبت، 28 ديسمبر 2019

الفرق بين القواعد الآمرة والقواعد المكملة

القواعد الآمرة و القواعد المكملة :
تنقسم القواعد القانونية إلى عدة تقسيمات من بينها القواعد المكتوبة و القواعد الغير مكتوبة ، القواعد الشكلية و القواعد الموضوعية ، القواعد الشريعة العامة و قواعد الشريعة الخاصة ، قواعد أمرة و قواعد مكملة قواعد القانون العام و قواعد القانون الخاص .
 فماذا يقصد بقواعد الآمرة و القواعد المكملة ؟ و ها هي معايير التمييز بينهما ؟

   1 – المقصود بالقواعد الآمرة و المكملة :

القواعد الآمرة:
هي تلك القواعد التي تأمر الأفراد بفعل شيء معين أو تركه إذ لا تترك  أي  دورا للأفراد فيها و هذا الأمر راجع إلى اعتبار هذه القواعد تحقق الأمن و الاستقرار داخل المجتمع.

القواعد المكملة :
هي مجموعة من القواعد التي تترك للأفراد الحرية في تعديلها أو عدم العمل بها ، و هذه الحرية ترجع في الأساس إلى اعتبار هذه القواعد لا تمس بأمن المجتمع و استقراره و تكون في الغالب الغاية منها هي تكملة شروط العقد التي قد يغفلها المتعاقدين .

   2- معايير التمييز بينهما :
في الغالب نستعمل معياريين لتمييز بين القواعد الآمرة و المكملة و هما :

  ** المعيار اللفظي **
في هذا المعيار نركز على الألفاظ التي استعملها المشرع في القاعدة القانونية :

   + الألفاظ الدالة على القواعد الآمرة :
-  هي كل الألفاظ التي تأمر أو تنهي و منها :
·         "باطلة" و "يمنع" و "تصلح وحدها"  و "بقوة القانون"  و "يبطل"  و "لا يجوز" .

  + الألفاظ الدالة على القواعد المكملة :
هي تلك الألفاظ التي تفيد جواز اتفاق على مخالفتها و منها :

"ما لم يقضي الاتفاق بخلافه" و "يجوز"  و "يمكن"  و "ما لم يقض العقد بخلاف ذلك" 

= في بعض الحالات لا يسعفنا المعيار اللفظي في التمييز بين القواعد الآمرة و المكلمة في هذه الحالة نعتمد على معيار أخر و هو المعيار المعنوي فما المقصود به ؟


يعتمد المعيار المعنوي في الأساس على فكرة ما إذا تعلقت القاعدة القانونية بالنظام العام و حسن الأداب فإذا مست هذه القاعد النظام العام و حسن الآداب كانت قاعدة أمرة أما العكس كانت قاعدة مكملة .

الاثنين، 26 أغسطس 2019

تحولات الواقع العربي

يعيش الفضاء العربي تحولات جذرية على مستوى بنياته الأساسية، أفضتها استتباعات تاريخية منذ العهد الكولونيالي مرورا بمراحل بناء الدولة الوطنية التي كانت سمة القرن الماضي وصولا إلى واقع اللحظة الراهنة التي تعرف تمفصلات على مستوى الدولة وتطورات غير مسبوقة تضرب الدولة في مفهومها السوسيولوجي والسياسي- المؤسساتي كما عرفته كلاسيكيات علم السياسة مما طرح إشكاليات كبرى يمكن تفكيكها في النقاط التالية: 


النقطة الاولى: إشكالية بناء الدولة، إذ وبمرور حوالي نصف قرن لم يستطع العالم العربي بناء دولة بمفهومها المؤسساتي المعبر عن حالة سياسية واجتماعية، نابعة من خصوصيته ومعبرة عن اللعبة السياسية في عنوانها العريض وهو الديمقراطية كآلية من خلال تفعيل المنطلق الانتخابي وكقيمة من خلال دمج منطق الثقافة السياسية المشبعة بفكر الدولة بالتنشئة السياسية التي تترك بصماتها في العقل السياسي للفرد. 


النقطة الثانية: هشاشة المؤسسات السياسية والتحكم البيروقراطي في الحياة السياسية من خلال انتاج اشكال من الخطاب السياسي التي بموجبها يتم هيكلة قواعد اللعبة السياسية ضمن نسق بناء نظام سياسي يعيد انتاج نفسه وفق دساتير التي لا يتم تنزيلها في ارض الواقع ولا يعد كونها سوى نصوص بلا روح. 


النقطة الثالثة: البنية المجتمعية والسياسية: تتميز في سياق التصور الانثربولوجي بسيطرة التفكير القبلي والعشائري ودمجها في المخيال والعقل الجمعي للفرد العربي، مما هندس الثقافة السياسة الضحلة التي تركت بصماتها في سياق التنشئة السياسية، ما حد من ظهور الفاعلين الذين بإمكانهم تقديم التصور الهادف للتغيير. 


النقطة الرابعة: قصور في تصور السياسات العامة، إذ كل السياسات العامة معدومة وصفرية، تتميز بالوقائية بدل العلاجية. كما أن كل السياسات لاتقتحم المواضيع الكبرى المرتبطة بالصحة والسكان والتعليم والطاقة. 


النقطة الخامسة: غياب المستلزم التنموي إذ كل الدول العربية تعتمد على الريع دون وجود سياسات حقيقية لبناء اقتصاديات تعطي قيمة مضافة أو البحث عن بدائل خارج نطاق المحروقات مما أضفى طابع الهشاشة على السياسات التنموية التي تهتز كلما انخفضت الجباية البترولية، خصوصا أن غياب التنمية الناجعة والفعالة يؤدي إلى أزمات اجتماعية سرعان ما تتحول إلى أزمات سياسية. 


النقطة السادسة: الإرهاب ويعتبر تحديا بنيويا للنظم السياسية ويعتبر الإرهاب، كرسالة عنف عشوائية تضرب المجتمع والدولة على حد سواء مما خلق حالة من الإنهاك ويبدو أن هذه الظاهرة أيضا توظف من قبل البعض لضرب المجتمعات بنيويا من خلال عملية تفكيك ممنهج . 


النقطة السابعة: توظيف الدين في السياسة وخلق خطاب تحريضي حاد وعنيف ومحاولة إضفاء طابع التقديس عما هو مقدس من قبل تصورات ضحلة لجماعات إسلامية لا تستطيع أن تجيب عن سؤال ما الدولة؟ 


النقطة الثامنة: الاستقطاب الاقليمي والدولي،شهد الفضاء العربي أيضا تدخلات إقليمية ودولية غير مسبوقة على سوريا وليبيا واليمن من قبل دول مثل يران وتركيا والعنوان هو الصراع في سياق الشيعة والسنة، بمعنى تلوين السياسة بالبعد الديني وهذا أكبر خطر يهدد منطقة الفضاء العربي والشرق الاوسط برمته، فأصبح الفضاء العربي أسير تصورات إقليمية تتغذى من أجندات دولية.

الأحد، 23 أبريل 2017

ما الفرق بين الحريات العامة وحقوق الانسان؟

استعرض الموضوع السابقاذهب الى الأسفلاستعرض الموضوع التالي
avatar
محمد انوار
في الأربعاء 27 أبريل - 1:57
إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي أولا القيام بتعريف المقصود بالإنسان كموضوع للحق والحرية ثم تعريف كل من المصطلحين وإبراز الفرق بينهما بعد ذلك:
من هو الإنسان؟ أصل كلمة إنسان من الإنس مقابل الجن، ويقول البعض أن تسمية إنسان تعود لتاريخ كون الإنسان عُهِد إليه ونسيَ. وكلمة إنسان تشمل الذكر والأنثى.
ودراسة الإنسان كانت وفقا لمنظورين:
أولهما ديني وهو المسيطر والمهيمن، ووفقا للتصور الديني فان الإنسان مخلوق من الله بصفة مباشرة، وهو مخلوق من طين (جانب مادي) وبجانبه جانب آخر (روحي) هو وجود الله وهو ما أقرته كل الديانات السماوية، فالله عند خلقه للإنسان كرّمه بالعقل والتمييز، يقول الله تعالى" ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير من خلقنا تفضيلا".وقال أيضا:" لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"، هذا التكريم يشمل التمييز والنطق والصورة الحسنة والقامة المعتدلة. وهذا التكريم جعل الله يأمر الملائكة بالسجود للإنسان إذ أن الإنسان صانع للحضارة وهو مستخلف في الأرض لتعميرها، وقد كلّفه الله وفرض عليه سلوكيات معينة تحت رقابته. وهذا السلوك وفق النظرية الدينية يتلقى عليه الإنسان الجزاء (إما عقاب أو ثواب). وكل الديانات تقول أن حياة الإنسان مرحلة من عمره تمتد الى حياة أخرى هي الآخرة. ووفقا للتصور الديني الإسلامي فإن البشر متساوون أمام الله باختلاف أجناسهم ولغاتهم وألوانهم ولا فرق بينهم إلا بالتقوى.

أما التصور أو المنظور العلمي الذي تبلور بشكل واضح في القرن التاسع عشر حول نظرية النشوء والاتقاء (لداروين) فيرى أن هناك تطور مسّ الإنسان من الناحية البيولوجية والعاطفية والعقلية والاجتماعية والخلقية، إذ أصبح الإنسان في المرتبة العليا بالمقارنة مع عالم الحيوان، رواد هذه النظرية يقولون أنه من حيث التركيب الفيزيولوجي الإنسان حيوان وما يميّزه عن الحيوان هو القشرة النخاعية( مخ الإنسان يزن 1.200كلغ يتضمن حوالي 200 مليار خلية وهو شديد التعقيد ) ساعد هذا التعقيد على ظهور العقل وهو ما يميز الإنسان عن الحيوان الذي يعيش بواقع ويتصرف من منطلق الغريزة التي تحكم سلوكه ويستعمل عقله . هذه النظرية لا تنكر الدور الاجتماعي إذ أن الإنسان مخ معقد نعم ولكن إذا أخذنا فرد وقمنا بعزله في غابة خارج الجماعة نجد انه يميل الى الحيوان، فالتطور هو الذي فصل الإنسان عن الحيوان إذ توجد حلقة مفقودة بين عالم الحيوان وعالم الإنسان وقد بقي هذا السؤال مطروحا.

وإذا أردنا معرفة مفهوم الإنسان في المرجعية الأوروبية نجد أنهم ينظرون إليه على أساس إعادة الاعتبار للفرد بتحريره من وزر الخطيئة الأصلية (التي وقع فيها آدم وحواء) وينظرون إليه أيضا على انه يتكون من جسد وروح ولا يوجد انفصال بينهما، فقد نظر الفكر الأوروبي الى الإنسان وعمِل على تحرير الفرد من سلطة الكنيسة ومن الناحية المادية تحرير جسد الإنسان من سلطة الأمير أو الإقطاعي لهذا فأول حقوق الإنسان التي ظهرت في المرجعية الأوروبية هي حق الإنسان في جسده(حق ملكية الجسد والتمتع به ) انطلاقا من ذلك ينظر الفكر الأوروبي للإنسان أنه ليس إنسانا مدنّس أو مخطئ بل ينظر إليه على أساس أنه قيمة عليا يجب أن تخدمها كل القيم الدنيا وأن كل النشاطات يجب أن توجه لتنمية الإنسان عقليا وفكريا وكل عمل يجب أن ينصب لهذا الغرض.

تعريف الحق:
(دون الخوض في ما تمت دراسته في مقياس المدخل للعلوم القانونية حول نظرية الحق) يمكن القول أن الحق بصفة عامة هو جملة من المعايير تهدف الى تنظيم العلاقات بين البشر حفاظا على مصالحهم. وقد عرّف البعض كلمة الحق على أنها مصلحة مادية أو أدبية يحميها القانون وعرفه البعض على انه سلطة إدارية تثبت للشخص وتخوّله القيام بعمل معين أو الامتناع عن القيام به.
وكلا التعريفين منتقد والتعريف الأقرب للصواب هو أن الحق سلطة قانونية يقررها القانون لشخص يستطيع بمقتضاها إجراء عمل معين أو أن يلتزم آخر بأدائه له تحقيقا لمصلحة مشروعة، والبعض الآخر يربط مفاهيم الحقوق بحسب تطور المجتمعات والأزمنة، لهذا يفرقون بين ما يسمى بالحق الموضوعي والحق الطبيعي. فالمقصود بالحقوق الموضوعية "تلك التي تمليها السلطة السياسية العليا أو السلطة ذات سيادة في المجتمع. أما المقصود بالحق الطبيعي فهو تلك التي ترتبط بالطبيعة الإنسانية المجردة والحقوق التي اكتشفها الإنسان وطوّرها هي نتيجة لتطور ثقافته في مجتمعه. وهذه الحقوق لا يمكن إعطاءها مضمونا إلا باحتكاكها بالحقوق الأخرى.
إن وجود إنسان له حقوق وحريات من جهة وهذا الإنسان غير منعزل عن الجماعة وتصطدم حقوقه وحرياته بالمصلحة العامة وحقوق الغير من جهة أخرى تتجسّد هذه المصلحة العامة بالسلطة العمومية التي تعد فكرة معبرة عن مصلحة الجماعة التي تحمي رمن الاعتداءات الفردية عن طريق تدخل السلطة التي تعد ضرورة اجتماعية فحق الفرد يقابله حق الجماعة . وينكر البعض إخراج الحقوق الإنسان عن نطاق النظرية العامة للحقوق التي تتصل بالحقوق المالية إلاّ أن البعض ردّ عليهم بأن الحقوق مقسمة الى حقوق عينية وحقوق شخصية.

تعريف الحرية: 
إذا ارتبطت أو ربطت الحرية في إطار معيّن بعد ذلك تقييد لها. وهذا ينتفي مع مفهوم الحرية لكن بالرغم من ذلك يمكن إعطاء التعاريف التالية:
عرّفت الحرية في إعلان حقوق الإنسان 1789 على أنها "القدرة على كل ما لا يضر الغير" وعرّفها بعض الفقهاء أنها حالة الإنسان الذي لا ينتمي الى أي سيد أي لا يخضع لسلطة شخص آخر بمفهوم العبودية .لكن في الواقع نجد عكس ذلك فالعامل مثلا يخضع لرب العمل. كما عرّفها البعض على أنها سلطة وإمكانية السيطرة على الذات بموجبها يختار الإنسان بنفسه تصرفاته الشخصية ويمارس نشاطاته دون عوائق أو إكراه. وينطلق هذا التعريف من حرية الاختيار، وهذه التعريفات مرتبطة بالإشكالية المطروحة والمتمثلة في العلاقة بين السلطة والحرية.
تعريف حقوق الإنسان:
من الصعب إيجاد تعريف جامع وشامل للمصطلحين، وقد عرّفها (كاسان) الذي أنشأ المعهد الدولي لحقوق الإنسان بستراسبورغ) أنها فرع من فروع الحروب العلوم الاجتماعية يختص بدراسة العلاقات بين الأفراد استنادا الى كرامة الإنسان بتحديد الرخص الضرورية لازدهار أو تفتح شخصية كل كائن إنساني يعطيها صفة العلمية (أي علم قائم بذاته يختص بدراسة كل ما يوفر كرامة الإنسان).
أما تعريف الحريات العامة فقد عرّفها البعض أنها مجموعة الحقوق والإمكانات المعطاة للفرد وهي حريات تظهر بصفة الجمع وهي عامة لأنها تفترض تدخل السلطة العامة دلالةً على دور الدولة في الإقرار والاعتراف بحريات وحقوق للأفراد وتنظيمها وضمانها بموجب قواعد قانونية.

إذن مفهوم حقوق الإنسان هو دراسة العلاقات التي تخدم هذه الحقوق ، أما الحريات فهي التي تحددها الدولة بموجب نصوص قانونية وتحميها بموجب هذه النصوص القانونية، فالعلاقة بين الحريات العامة والدولة وطيدة إذ يمكن التحدث عن الحريات العامة إلاّ في إطار نظام قانوني محدد، وهذا ما يميّز الحريات العامة عن حقوق الإنسان، فهذه الأخيرة هي مجموعة حقوق طبيعية يمتلكها الإنسان وهي لصيقة به وهي تظل موجودة حتى إذا لم يتم الاعتراف بها، أما الحريات العامة فهي تنتمي الى القانون الوضعي.

هذا من حيث الموقع القانوني لكل من المفهومين، أما من حيث المضمون وحسب البعض فإنهما مختلفان، فالحرية العامة تتضمن مجموعة محددة من الحريات التي تضمها واعتراف القانون بها وتضمينها في نصوصه. أما مفهوم حقوق الإنسان فهو يتعدى هذا الإطار الضيق ليلامس كل ما تحتاجه الطبيعة الإنسانية أو البشرية كضمان الحد الأدنى من الأمن المادي وحد أدنى من الحماية الصحية والتعليم والثقافة... وهو مفهوم قابل للتطور والتوسع حسب الجنس البشري.

كما أن الاختلاف بين المفهومين حسب البعض يمتد الى ما يرتبانه على عاتق السلطة، فبينما تعتبر الحريات العامة بمثابة إمكانية اختيار مرتبطة بالإنسان الفرد، إذ يمكن أن يستفيد منها بمعزل عن السلطة ، فهي متعلقة بالشخص ذاته بإمكانه ممارستها دون الاستناد على سلطة الدولة. بينما حقوق الإنسان لا يمكن تأمينها والاستفادة منها إلاّ عن طريق السلطة وما تنشئه من مرافق عامة كالضمان الاجتماعي، المؤسسات الصحية والتعليمية والثقافية...


غير أن هناك من يقول أن هذا التمييز تقني فالحريات العامة حسب البعض كمصطلح يستعمل داخل الدولة على مجموع الإمكانيات التي يتمتع بها الفرد أو المواطن سواء كانت حقوق أو حريات. بينما يحتفظ بتعبير حقوق الإنسان للدالة على اهتمام المجتمع الدولي في إطار هذا الموضوع .

إجراءات الدعوى : رفع الدعوى وتقييدها وإستدعاء الأطراف .

إجراءات الدعوى : رفع الدعوى
                        وتقييدها 
                                       وإستدعاء الأطراف .
 
المرحلة الاولى: تقييد الدعوى (الفصول 31 الى 41 قانون المسطرة المدنية)
ترفع الدعوى أمام المحكمة الابتدائية وتقيد وفق الفصل 31، 32 قانون المسطرة المدنية:
الفصل 31 قانون المسطرة المدنية: 
ـ ترفع (الدعوى / الطعن) إلى المحكمة المختصة في شكل: مقال مكتوب موقع عليه من طرف المدعي أو وكيله / تصريح يدلي به المدعي شخصيا ويحرر به أحد أعوان كتابة الضبط المحلفين محضرا يوقعه المدعي أو يشار إلى عدم إمكانية توقيعه.
ـ يقيد في سجل خاص حسب الترتيب التسلسلي لتلقيه وتاريخه مع بيان أسماء الأطراف وتاريخ الاستدعاء.
ـ يعين رئيس المحكمة قاضيا مقررا أو قاضيا مكلفا بالقضية حسب الأحوال.
الفصل 32 قانون المسطرة المدنية: 
ـ يتضمن المقال أو المحضر: إسم وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة الأطراف + إسم وصفة وموطن الوكيل (وكيل المدعي) عند الاقتضاء + اسم ونوع ومركز الشركة + بيان موجز لموضوع الطلب (عيني / شخصي ـ عقاري / منقول) والوقائع والوسائل المثارة / التي يستند إليها (الأسباب ـ المطالب).
ـ يرفق بالمقال: المستندات التي ينوي الطالب استعمالها عند الاقتضاء مقابل وصل يسلمه كاتب الضبط للمدعي يثبت فيه عدد المستندات المرفقة ونوعها. وإذا تعدد المدعى عليهم وجب إرفاق المقال بعدد النسخ المساوي لعدد الخصوم.
ـ يطلب القاضي* عند الاقتضاء تحديد البيانات غير التامة أو التي تم إغفالها، والإدلاء بنسخ المقال الكافية، داخل أجل يحدده، تحت طائلة الحكم بعدم قبول الطلب.
ترفع الدعوى بواسطة الشخص نفسه (المدعي)، أو بواسطة وكيل وفق ف 33، 34، 35 ق.م.م.
يستدعي القاضي الأطراف وفق ف 36 ق.م.م:
الفصل 36 قانون المسطرة المدنية: 
يستدعي القاضي حالا المدعي والمدعى عليه كتابة إلى جلسة يعين يومها ويتضمن هذا الاستدعاء:
1 - الاسم العائلي والشخصي ومهنة وموطن أو محل إقامة المدعي والمدعى عليه؛
2 - موضوع الطلب؛ 
3 - المحكمة التي يجب أن تبت فيه؛
4 - يوم وساعة الحضور؛
5 - التنبيه إلى وجوب اختيار موطن في مقر المحكمة عند الاقتضاء.
يتم تبليغ الاستدعاء إلى الأطراف وفق ف 37، 38، 39 ق.م.م:
الفصل 37 قانون المسطرة المدنية: 
يوجه التبليغ بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط، أو أحد الأعوان القضائيين أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بالطريقة الإدارية. وإذا كان المرسل إليه يقيم خارج المغرب، يوجه الاستدعاء بواسطة السلم الإداري على الطريقة الدبلوماسية أو بواسطة البريد المضمون، عدا إذا كانت مقتضيات الاتفاقيات الدولية تقضي بغير ذلك.
الفصل 38 قانون المسطرة المدنية: 
يسلم الاستدعاء والوثائق إلى الشخص نفسه أو في موطنه (الحقيقي أو المختار) أو في محل عمله أو في أي مكان آخر يوجد فيه، في غلاف مختوم لا يحمل إلا الاسم الشخصي والعائلي وعنوان سكنى الطرف وتاريخ التبليغ متبوعا بتوقيع العون وطابع المحكمة. ويعتبر محل الإقامة موطنا لمن لا موطن له بالمغرب. 
الفصل 39 قانون المسطرة المدنية: 
ـ ترفق بالاستدعاء شهادة يبين فيها متسلمه وفي أي تاريخ، ويجب أن توقع من المتسلم (الطرف نفسه أو في موطنه)، وإذا عجز عن التوقيع أو رفضه أشار إلى ذلك العون أو السلطة المكلفة بالتبليغ ويوقع العون أو السلطة على هذه الشهادة في جميع الأحوال ويرسلها إلى كتابة ضبط المحكمة.
ـ إذا تعذر على المكلف بالتبليغ أو السلطة الإدارية تسليم الاستدعاء لعدم العثور على الطرف أو على أي شخص في موطنه أو محل إقامته ألصق في الحين إشعارا بذلك في موضع ظاهر بمكان التبليغ وأشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة. وتوجه حينئذ كتابة الضبط الاستدعاء بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل.
ـ إذا رفض الطرف أو الشخص الذي له الصفة، تسلم الاستدعاء أشير إلى ذلك في الشهادة. ويعتبر الاستدعاء مسلما تسليما صحيحا في اليوم العاشر الموالي للرفض.
ـ يمكن للقاضي من ناحية أخرى تبعا للظروف تمديد الآجال المذكورة أعلاه والأمر بتجديد الاستدعاء.
ـ يعين القاضي في الأحوال التي يكون فيها موطن أو محل إقامة الطرف غير معروف عونا من كتابة الضبط بصفته قيما يبلغ إليه الاستدعاء. ويبحث هذا القيم عن الطرف بمساعدة النيابة العامة والسلطات الإدارية ويقدم كل المستندات والمعلومات المفيدة للدفاع عنه دون أن يكون الحكم الصادر نتيجة القيام بهذه الإجراءات حضوريا. وإذا عرف فيما بعد موطن أو محل إقامة ذلك الطرف، فإن القيم يخبر بذلك القاضي الذي عينه ويخطر الطرف برسالة مضمونة عن حالة المسطرة وتنتهي نيابته عنه بمجرد القيام بذلك.
يعتبر تبليغ الإستدعاء صحيحا متى تم وفق ف 39، 40، 41 ق.م.م.

تنفيذ القرار الإداري .

تنفيذ القرار الإداري .


إن القرار الإداري بمجرد صدوره يحمل قوة نفاذه، و هذا كامتداد لسلطة الدولة.التنفيذ هو التحقيق المادي الواقعي للقرار، مثل بقية الأعمال التي تصدرها السلطات الموجودة في الدولة (القانون ينفذ، الحكم ينفذ) و هذا ناتج أساسا ما للإدارة من إمتيازات السلطة العامة، و يبرز هذا الإمتياز في القرارات الإدارية.أهمها إمكانية تنفيذ القرارات الإدارية إمّا تنفيذا مباشرا أو تنفيذ جبرا، و هذا ناتج أساسا ما للإدارة من إمتياز الأسبقية، على أن القرار الصادر من السلطة الإدارية يتميّز بالشرعية إلى أن يثبت العكس. (القرار الإداري بمجرد صدوره يحمل في طياته قرينة الشرعية).فعدم تنفيذ القرار الإداري يؤدي إلى المجادلة و بالتالي عرقلة السير الحسن للمرفق العام.
المبحث الاول : تنفيذ القرار الاداري و طرق المعتمدة فيه: ا لمطلب الاول : نفاذ القرار الإداري
يكون نافذا سواء في مواجهة الإدارة أو الأفراد و تلتزم الإدارة بالقرار من تاريخ صدوره و عليه يجب الرجوع إلى هذا التاريخ لبدء سريانه اتجاه الإدارة و نعتمد على هذا التاريخ لتحديد شروط صحته سواء من الجهة الإدارية الذي اتخذته (الاختصاص).مصطلح النفاذ ; من حيث الزمان، أو التاريخ من جهة السلطة التي أصدرته و القانون الساري المفعول.أما بالنسبة للأفراد فلا يبدأ النفاذ في مواجهتهم إلاّ من يوم علمهم بهذا القرار سواء كان عن طريق التبليغ "قرارات فردية" أو عن طريق النشر "قرارات تنظيمية".و شرطي التبليغ و النشر/ لا يرتبطان فقط بنفاذهما اتجاه الأفراد بل ذلك بالميعاد فيما يتعلّق بالدعوى القضائية (إذا كان قرارا محليا) أو برفع التظلمات (إذا كان قرارا مركزيا).و عادة ما ينفذ القرار بأثر مباشر أي بأثر مستقبلي و لا يمكن إثارة ما ترتب عن القرار إلى تاريخ سابق و ذلك احتراما للحقوق المكتسبة و كذا استقرار المعاملات و الاستثناء المسجل في هذا المجال هو(1) أنه يمكن أن تتخذ الإدارة قرارات بأثر رجعي و ذلك حالة وجود نص تشريعي يجيز لها ذلك أي إذا كان القانون يسري بأثر رجعي كالقانون الأصلح للمتهم.
(2) 
القرارات الصادرة التي جاءت تنفيذا لحكم قضائي.
المطلب الثاني : الطرق المعتمدة في التنفيذ
إن إجراءات تنفيذ القرار الإداري لا تتم (ماديا) إلاّ بعد نشره أو تبليغه كما هو محدد سابقا، و ما على الأفراد المعنيين بهذه القرارات إلاّ الخضوع لها اختياريا و طواعية.هذا الخضوع الإرادي الاختياري مرتبط بمدى وعي المجتمعات و مدى تحضرهم و كذلك بوجود إدارة متحضرة تحترم القوانين و التنظيمات.و لكن قد لا يلتزمون الأفراد (لا يخضعون) لهذه القرارات و هذا ما يتطلب حماية تنفيذها و يتحقق هذا بوسيلتين رئيسيتين: أ- التنفيذ المباشر :يعد التنفيذ المباشر للقرارات الإدارية من أهم و أخطر مظاهر امتيازات السلطة العامة لأن القاعدة إعطاء وسائل معينة لتنفيذ القرارات دون اللجوء إلى وسيلة أخرى، و ذلك لضمان حسن سير المرافق (عرقلة الأمن و تعطل المصالح).و بهذه الوسيلة تستطيع الإدارة ترتيب آثار القرارات مباشرة و بدون حاجة إلى اللجوء للقضاء و يمكن في هذه الحالة أن تطبق عقوبات إدارية كغلق المحلات التجارية المخالفة للقوانين أو الحجز الإداري أو نزع الملكية للمنفعة العامة و القرارات المتعلقة بمخالفة الطرق.للإشارة هناك قرارات تنفذ تلقائيا كقرار العزل.و إذا واجهت الإدارة معارضة أو عصيان في تنفيذ قراراتها فيمكن لها أن تلجأ إلى وسيلة
التنفيذ الجبري.
ب- التنفيذ الجبري :
لا يتحقق إلاّ في حالة وجود معارضة أو عصيان، و يمكن للإدارة في هذه الحالة أن تلجأ إلى القوات العمومية إذا اقتضى الأمر ذلك.مثلا نصت المادة 97 ق. الولاية : " توضع تحت تصرف الوالي مصالح الأمن لتطبيق القرارات المتخذة في إطار المهام المنصوص عليها في المادة 96 تتعلق بحفظ الأمن و السلامة و السكينة العامة".و يمكن أن تطبق حتى العقوبات الجزائية للمخالفين للقرارات الإدارية و هذا ما جاءت به المادة 459 ق. عقوبات حيث نصت على أنه : " يعاقب بغرامة من 30 إلى 100 دج و يجوز أن يعاقب بالحبس لمدة 3 أيام على الأكثر كل من خالف المراسيم و القرارات المتخذة قانونا من طرف السلطات الإدارية إذا لم تكن الجرائم الواردة بها معاقبا عليها بنصوص خاصة"و نظرا لخطورة التنفيذ الجبري للقرارات فقد أخضع هذا الأسلوب إلى شروط :
1- 
يجب التنفيذ في إطار القوانين المنظمة لذلك أي وجود نص يجيز للسلطة الإدارية ذلك حيث لا يمكن للإدارة أن تلجأ إلى تطبيق عقوبات خارج ما هو مطبق في القوانين (شرعية العقوبات). 
2 - 
حالة عدم وجود نص يجيز للإدارة اللجوء إلى التنفيذ الجبري و ليس هناك ما يمنعها أن تلجأ إلى هذا الأسلوب فليس هناك مانع للجوء إليه بشرط أن يتم في حدود ما يسمح به التنفيذ السليم. أما عدا ذلك فيجب على الإدارة اللجوء إلى القضاء لتنفيذ قراراتها جبرا.
3- 
حالة الضرورة أو الطوارئ.فالتنفيذ المباشر هو الأهم لأنه الشائع أما التنفيذ الجبري فهو الأخطر لأنه يمس بالحقوق.القاضي يراقب الإدارة في مدى احترامها لتنفيذ قراراتها من ناحية الإجراءات لضمان التنفيذ السليم.المبحث الثاني : وقف تنفيذ القرار الاداري و زواله:
المطلب الأول: طلب وقف التنفيذ القرار الاداري:
إن القاعدة العامة هي أن رفع دعوى تجاوز السلطة ضد قرار إداري لا تؤدي إلى وقف تنفيذه ومرد ذلك لخاصية التنفيذ المباشر الذي يتمتع به القرار الإداري وما ينتج عن ذلك من مبدأ الأسبقية وقرينة المشروعية المفترضة فيه، والإستثناء هو جواز وقف التنفيذ إذا وجد نص خاص يقضي بذلك أو قرر القضاء ذلك بناءا على طلب من المدعي وهذا بشروط معينة نتناولها لاحقا. ووفق تنفيذ القرار الإداري. إما أن تأمر به الجهة القضائية المنعقد اختصاصها للفصل في دعوى الإلغاء وإما أن يكون بأمر من قاضي الاستعجال الإداري .إن المشرع الجزائري لم يضع شروطا خاصة للأمر يوقف التنفيذ القرارات الإدارية فهي ذات الشروط والإجراءات المتبعة في الدعوى الاستعجالية بصفة عامة والتي تتعلق بالاختصاص النوعي وهي شرط الاستعجال وشرط عدم المساس بأصل الحق. وأن لا يكون القرار المطلوب وقف تنفيذه متعلقا بالنظام العام. وأن شكل القرار تعديا أو استيلاء وأن تكون دعوى الإلغاء مشورة أمام قضاء الموضوع .وقد تناولت المواد (170/10 ق إ م) و 283/2 ق إ م إجراءات وقف تنفيذ القرارات الإدارية حيث نصت على أن طلب وقف تنفيذ القرار يتم " بناء على طلب صريح من المدعي " والمقصود بالطلب حسب الصياغة الفرنسية هي عريضة افتتاح دعوى " Une requête " لكن قراءة النص العربي فإنها تتكلم عن طلب صريح دون أن يحدد القانون هذا الطلب. كأن تتضمنه عريضة الطعن أو يمكن أن يكون طلبا مستقلا أو مقدم أثناء سير الدعوى. والمشرع الفرنسي استعمل عبارة " عريضة متميزة « Une requête Distincte » بمعنى يجب أن تكون عريضة وقف التنفيذ مستقلة عن عريضة دعوى الإلغاء ولو أنه يشترط أن تكون ملحقة بها. بينما يشير النص الجزائري إلى أن عريضة وقف التنفيذ تكون " صريحة " ومكتوبة، بما أن عريضة الدعوى عادة مكتوبة وتسدد بشأن هذه العريضة المصاريف القضائية .وكما استقر عليه العرف العملي – يتم طلب وقف التنفيذ بموجب عريضة مستقلة عن دعوى الإلغاء لو أنها متزامنة معها، فتقدم عريضة وقف التنفيذ لقاضي الأمور المستعجلة بينما تقدم عريضة الموضوع لقاضي الإلغاء والتحقق في الدعوى يتم حسب إجراءات القضاء الاستعجالي باعتبارها دعوى استعجالية، أين يؤسس القاضي أمر وقف التنفيذ على أسباب جدية التي ترجح احتمال إلغاء القرار المراد توقيعه وعلى الضرر الذي يتعذر تداركه. وأن القرارات الصادرة عن المجلس القضائي بوقف التنفيذ تكون قابلة للطعن فيها بالاستئناف أمام مجلس الدولة في نفس ميعاد استئناف الأوامر الاستعجالية الأخرى وهو (15) خمسة عشر يوما من تاريخ تبليغه. ويجوز لرئيس الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا في هذه الحالة أن يأمر فورا وبصفة مؤقتة أن يضع حدا لوقف التنفيذ (أي الفصل بالدرجة النهائية في الاستئناف.)
ا لمطلب الثاني : زوال القرار الإداري:
إن القرار الإداري يظل منتجا لأثاره القانوني طيلة مدة سريانه ما لم يطرأ عليه أي حدث يؤدي إلى إعادة النظر في مشروعيته ويضعه موضع التساؤل. ومن ثم يكون القرار الإداري مهددا بالزوال والسؤال المطروح هنا هو ما هي الأسباب التي تؤدي إلى نهاية القرار الإداري؟ إن نهاية القرارات الإدارية يعني انعدام وانقضاء جميع آثارها القانونية ويكون الزوال إما بفعل الإدارة كحالة السحب والإلغاء الإداري، كما تنقضي القرارات الإدارية لأسباب خارجية مختلفة كأن يكون القرار منوط لتحقيق هدف معين وتحقق هذا الهدف أو بفعل المشرع أو بانتهاء المدة المحددة قانونا، أو بفعل الطبيعة (القوة القاهرة)...، كما قد ينتهي القرار خارج إرادة الإدارة عن طريق الإلغاء القضائي 

.